من نحن ؟ | معرض الصور | الاقتراحات | التواصل معنا
Loading ... please Wait
مشاهدة Image
- العقيدة-دروس في منهج الحركة
المكتبة > العقيدة > دروس في منهج الحركة
عدد المشاهدات : 81
تاريخ الاضافة : 2018/11/27
المؤلف : أبي عبد الرحمن الصومالي


       التقوى 
       الصبر 
       الدعاء 
       الصلاة 
       الصوم 
       ذكر الله 
(9) مزالق الطريق 
       الخوف 
       الاستعجال 

الكتاب
Manhaj.pdf

الدروس
المقدمـة

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أما بعـد :-
فإن المسلم المعاصر المدرك لحقيقة دينه إدراكاً صحيحاً يشعر بالعزلة في البيئة الجاهلية المعاصرة. إن عقيدته تعلّمه أن الله هو الملك الواحد القهار الذي يجب أن يُطاع ولا يُعصى له أمرٌ، ولكن بيئته تقول له: لا، هذا قصور في النظر وقلّة في العقل، وأن الله هو ملك في السماء وإن للأرض ملوكاً ورؤساء يُطاعون ولا يُعصى لهم أمر.
إن عقيدته تعلِّمه أن الله وحده هو واضع الكتب والمناهج والنظم للحياة البشرية كلّها، ولكن بيئته تقول له: لا، إن هذا جمود ورجعية، فآخر كتاب أنزله الله قد مضت عليه قرون كثيرة، ولم يعد صالحاً لتلبية حاجات الحياة التشريعية، فلا بدّ للعلماء والخبراء والمتخصِّصين من أن يأتوا بتشريعات صالحة للحياة البشرية المتطورة.
إن عقيدته تُعلِّمه أن الله وحده هو الذي يضع للناس قيماً وأخلاقاً ثابتة في جميع العصور، ولكن البيئة تقول له: لا، إن القيم والأخلاق لا يجوز أن تكونا ثابتتين، وإنما هما يتطوّران مع الزمن وتتأثّران بمستوى المعيشة للبيئة، فما كان عيباً ورذيلة في بيئة خاصة أو زمن خاص قد لا يكون كذلك في بيئة أخرى أو زمن آخر .
إن عقيدته تعلِّمه وجوب التجمّع على آصرة العقيدة، وأن المؤمنين اخوة وأن أكرمهم عند الله أتقاهم، ولكن البيئة تقول له: لا، إن فكرة القومية والوطنية رائجة في العالم وليس لها بديل في الواقع الحاضر فالصومال للصوماليين والمصر للمصريين والعراق للعراقيين .. الخ .
إن عقيدته تعلِّمه أن المؤمن أخ للمؤمن وأن الكافر عدوٌّ للمؤمن، ولكن البيئة تقول له: لا، إن الحياة البشرية قد تطورت كثيراً عن هذه الفكرة وأصبح التعامل ممكناً بين أهل الملل المختلفة، وقد اتّفقوا على رعاية الحقوق الإنسانية، وعدم التدخّل في الشئون الداخلية لكل قوم، وعدم الدخول لحدودها الجغرافية بغير إذنها، وأن يكون هناك سعي لإحياء المودّة والتعاطف والحبّ بين البشرية كلّها. فلم يعد للجهاد في سبيل الله مجال في هذه الحياة العصرية الراقية.
ومن هنا فإن المسلم يشعر بالغربة والعزلة في بيئته التي نشأ فيها لأجل ما في منهجه الفكري والعملي ومنهج البيئة من اختلاف وتضاد. وقد أصبح هذا حال المسلم الحقيقي في البيئات الجاهلية وقد استحكم الخلاف الفكري والعملي بينه وبينها، وعرف استحالة التعاون والتفاهم معهم ما داموا على ذلك البُعد والشرود عن منهج الله للحياة.
وهذه "دروس في منهج الحركة الإسلامية" وضعت لتعين المسلم على معرفة الطريق الصحيح الذي يجب عليه سلوكه ومعرفة الأصول الفكرية التي يقوم عليها منهجه. وخطوات هذا المنهج المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليكون.
(أولاً) في منجى من ضغط المجتمع الجاهلي الذي يدعوه إلى السير مع القطيع الضال مهما تكن النتيجة.
(ثانياً) داعية إلى الخير يخرج أهل الجاهلية من الظلمات إلى النور بإذن الله.
﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213].

(1) الجاهلية

(1) الجاهلية
كلمة الجهل هي مصدر "جهِل يجهل جهلاً". وكلمة الجهل يراد منها معنيان في لغة العرب:
أ- عدم العلم ب- عدم اتّباع العلم
والجاهل هو الذي لا يعلم حقيقة شيء كما قال تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة: 273] .
والجاهل كذلك هو الذي يعلم الحقيقة ولا يتّبعها كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة:67].
وقال تعالى: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: 89] .
وقال تعالى: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: 33] .
وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138].
وجهِل عليه: معناه اعتدى عليه وظلمه كما في الحديث: "اللهم إنِّي أعوذ بك أن أضلَّ أو أُضلّ أو أزلّ أو أُزلّ أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يُجهل عليَّ" [أهل السنن] .
وكما قال الشاعر الجاهلي {عمرو بن كلثوم}
ألا لا يجهـلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينـا
والجاهلية: اصطلاح قرآنيّ يراد منه عدم اتّباع ما أنزل الله من العلم في العقائد والأحكام والأخلاق. كما قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].
وقال تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: 154].
وقال تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: 26] .
وقال تعالى: ﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]
والجاهلية هي ضدّ الإسلام. لأنّ الإسلام الذي جاءت به رسل الله هو: اتّباع ما أنزل الله من العلم في العقائد والأحكام والأخلاق والكفر بما يخالف هذا العلم من هوى البشر .
قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ [الزمر: 17].
والإنسان المسلم قد تكون فيه خصلة من خصال الجاهلية. ولا ينتقض أصل إسلامه بذلك ما لم يكن مستحلاًّ للمخالفة، ولذا جاز أن يُقال للمسلم المخالف "إن فيه جاهلية" كما تدلّ على ذلك الأحاديث النبوية:
قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه : "إنّك امرؤ فيك جاهلية" [متفق عليه].
وذلك لما عيّر رجلاً بأمه وقال: يا ابن السوداء.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونَهنّ: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" [مسلم]
وهذه الأحاديث كالأحاديث التي تبيّن أن المسلم قد تكون فيه شعبة من شعب الكفر، وذلك إذا هو ارتكب محرماً أو ترك واجباً مثل:
قال صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" [متفق عليه] .
فدلّت الأحاديث الصحيحة على أن المسلم قد تكون فيه خصلة من خصال الجاهلية أو شعبة من شعب الكفر. ولا فرق بين العبارتين، لأن الجاهلية هي الكفر بالله; فمرتكب الكبيرة إذاً فيه جاهلية أو فيه كفر. وليس المراد من ذلك أنه خرج عن الملّة بمجرّد ارتكابه لها .
أما من اختار شرائع الجاهلية على شريعة الله وترك ما أنزل الله من العلم في العقائد أو الأحكام أو الأخلاق، فلا يكون إلاّ كافراً خارجاً عن ملّة الإسلام وإن صلّى وصام وزعم أنه مسلم. ومن جادل عنه لا يكون إلاّ مجادلاً بالباطل:
﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا﴾ [الكهف: 56].

الرد على شبهة إن من صحّ اعتقاده لا يكفر باتّباعه وعمله بتشريع

فمن المجادلين عن أهل الجاهلية من يقول: "إن من صحّ اعتقاده لا يكفر باتّباعه وعمله بتشريع غير الله" .
وهي شبهة مضلِّة ينخدع بِها قليلوا المعرفة بالإسلام، والأدلّة التي تجيب عنها كثيرة جدّاً، ويستطيع المسلم أن يعرف بُعدها عن الحقيقة وضلالها من وجوه كثيرة، إذا تدبّر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة وما أجمع عليه المسلمون في القرون المفضَّلة، ويكفي في ردّ هذه الشبهة وإبطالها وجه واحدٌ من أوجه الأدلّة الصحيحة الآتية :

[أ] كفر المتبِّع لتشريع غير الله، النابذ لشريعة الله

فمن المجادلين عن أهل الجاهلية من يقول: "إن من صحّ اعتقاده لا يكفر باتّباعه وعمله بتشريع غير الله" .
وهي شبهة مضلِّة ينخدع بِها قليلوا المعرفة بالإسلام، والأدلّة التي تجيب عنها كثيرة جدّاً، ويستطيع المسلم أن يعرف بُعدها عن الحقيقة وضلالها من وجوه كثيرة، إذا تدبّر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة وما أجمع عليه المسلمون في القرون المفضَّلة، ويكفي في ردّ هذه الشبهة وإبطالها وجه واحدٌ من أوجه الأدلّة الصحيحة الآتية :
(أ) منها : بيّن القرآن أن المتبِّع لتشريع غير الله النابذ لشريعة الله ليس من الذين أخلصوا الألوهية لله، وإنما هو يعبد "إلهاً" و"رباً" غير الله .
قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31] .
وقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاتّخاذ للأرباب بطاعة العلماء في التحليل والتحريم المخالف لأمر الله كما ثبت في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه.
وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].
وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21].
فصرحت الآيات بأن المتّبع لتشريع غير الله قد عبد "إلها" و "رباً" غير الله، ولم يحقّق التوحيد المأمور به، فصار من المشركين، ولا فرق بينه وبين الذي يعبد المسيح ابن مريم ويستغيث به في جلب المنفعة أو دفع المضرّة.
ولما وقعت اليهود والنصارى في هذا النوع من الشرك لم ينفعهم انتسابهم إلى الإسلام لله واتّباع ملّة إبراهيم وموسى عليهم السلام.
فدلّ ذلك على أن من وقع فيما وقعوا فيه من الشرك من هذه الأمة لا ينفعه انتسابه إلى الإسلام لله واتّباع ملّة محمّد صلى الله عليه وسلم ، لأنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب، وإنما يتفاضل الناس في الإيمان والاستقامة، وتحقيق العبودية لله بلا شريك. فإذا عرفت هذا وأنّ "أهل التوراة" أصبحوا مشركين بتقديمهم آراء العلماء على كتاب الله. فمن الجهل والغباوة الظنّ بأن "أهل القرآن" سيظلُّون مسلمين غير مشركين وهم يقدّمون آراء الكفار الجهال على كتاب الله في باب التشريع والتقنين للعباد .
وإذا عرفت من كتاب الله أن اتّباع غير الله في التشريع شرك مخرج عن الملّة، فاعرف أيضاً أن المشرك لا يكون أبداً صحيح الاعتقاد، ولا بدّ من أن يكون في قلبه من الشكّ والاستكبار ما جعله يفضِّل شرائع الكفرة على شريعة الله. وإذا كان هذا التابع لتشريع غير الله عالماً بالإسلام وما جاء به من العقائد والأحكام علماً نظرياً، فإن ذلك لا ينفعه شيئاً ولا يصير به مسلماً حتى يعتقده. فإن هناك فرقاً بين المعرفة النظرية والاعتقاد الجازم المنشئ للتطبيق والعمل.
فمن هنا تعرف فساد قولهم: "إنّ من صحّ اعتقاده لا يكفر باتّباعه وعمله بتشريع غير الله". لأنه لا يتّبع ويعمل بتشريع غير الله مع وجود تشريع الله إلاّ الكافرون المشركون الشاكُّون المستكبرون.

[ب] قصة إبليس اللّعين

[ب] ومنها :
قصة إبليس اللّعين، هذه القصة المذكورة في القرآن في عدّة مواضع للاتّعاظ والاعتبار، فقد أخبرنا الله أن هذا المخلوق كان قبل كفره مع الملائكة عباد الرحمن المسبِّحين باللّيل والنهار، الذين لا يسأمون، وأنه أصبح كافراً خارجاً عن الإسلام لما أبى واستكبر عن الانقياد لحكم واحد من أحكام الله.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34] .
وقال تعالى: ﴿إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: 61]
وقال تعالى: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: 19].
فدلّت القصة على أن من ردّ أمر الله واستكبر عن الانقياد لحكم واحد من أحكامه واتّخذ خلافه منهجاً يستحسنه فإنه يصير بذلك كافراً خارجاً عن ملّة الإسلام، مهما كانت معرفته بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر عظيمة، كمعرفة إبليس، فإنه كان ذا معرفة عظيمة بالله، وقد خاطب الله بالربوبية والخلق قائلا: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي﴾ وقال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ﴾.
وكان كذلك عارفاً بالمعاد معترفاً بقدرة الله على بعث الأجساد. فقال: ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: 14].
وكان كذلك عارفاً بالملائكة، وكان من بينهم لما صدر من الله الأمر بالسجود لآدم عليه السلام ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 30-31].
وهو كذلك عارف بالحقّ الذي أنزله الله في كتبه على ألسنة رسله، وكان ولم يزل في معركة ضدّ رسل الله والمؤمنين، يريد أن يصرف الناس عن الصراط المستقيم وهو القائل: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 16-17].
ومع معرفته هذه لُعن وطُرد من رحمة الله وصار رأساً في الكفر لما أبى واستكبر عن تنفيذ أمر واحد من أوامر الله،ثم تمحّض بعد ذلك للشرّ والإغواء.
فإذا كان ذلك كذلك فكيف يكون المستكبرون المعاصرون أحسن حالاً وأكرم منْزلة من إبليس اللّعين، وهم لا يعرفون أصول الإيمان كمعرفته، ولا يخالفون أمراً واحداً كما وقع منه، وإنما هم يخالفون كتاب الله المليء بالأوامر والنواهي، ويرمونه بالجمود والعجز عن مسايرة الواقع بلسان الحال أو المقال، ويستحلُّون قيادة الأمم والجماعات بآراء وكتب ما أنزل الله بِها من سلطان.
ولا شكّ في كون سيئاتهم من سيئات إبليس داعيهم إلى الشرك والضلال. ولكن ينبغي أن لا ننسى أن عدوّ الله صار كافراً بأقلّ مما يصرُّون عليه وهم يزعمون أنهم مسلمون.
أما قصة آدم عليه السلام وأكله من الشجرة المحرّمة فإنها تدلّ على أن المؤمن قد يغفل وينسى فيقع في الحرام وهو لا ينوي الكفر واستحلال المحرّمات، وتدلّ على أن الله يقبل توبة التائبين: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25] .
والمؤمن الواقع في الحرام التائب من الذنب يشبه من غشيه ظلام اللّيل فحجبه عن رؤية الطريق فعدل عنه ثم جاءه من الله نور يكشف الظلمات فأبصر به الطريق فعاد من قريب. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201] .

[جـ] تكفير الله تعالى للحاكمين بغير ما أنزل الله

[جـ] ومنها:
قول الله تعالى عن الحاكمين بغير ما أنزل الله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44] .
فقد صرحت الآية بكفر الحاكم الذي لا يلتفت إلى أحكام الله وإنما يحكم بين الناس بِهواه أو هوى غيره، جاعلاً ذلك شريعة لهم واجبة الاتّباع في حدود حكمه وسلطانه كما هو واقع من الحكام في هذا العصر. ولم يكن بين علماء المسلمين في جميع العصور اختلاف في كفر الداعي إلى اتّباع أحكام التوراة أو الإنجيل التي بأيدي أهل الكتاب، ونبذ أحكام القرآن. ولا في كفر المسجيب لمثل هذه الدعوة، بل إن ذلك كان من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام الذي تعلمه الخاصة والعامة .
والحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله في هذا العصر يتركون القرآن ويتّبعون النظم والقوانين الوضعية المستوردة من أهل الغرب، المنسلخين من الدِّين الكافرين بالله علانية. والآية ليست خاصة ببني إسرائيل كما يظنّه بعض الناس، وإنما هي تقرير إلهيٌّ لا يتقيّد بزمن ولا مكان. ولقد سمع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه من يقول هذه المقالة فردّها قائلاً: "نعم الاخوة لكم بنوا إسرائيل، إن كانت لهم كل مرّة ولكم كلّ حلوة، كلاّ والله لتسلكنّ طريقهم قدر الشراك. [ابن جرير].
وعن إبراهيم النخعي أنه قال عن هذه الآية: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ "نزلت في بني إسرائيل، ورضي لكم بِها" [ابن جرير].
والدساتير الوضعية التي يحكمون بِها في هذا الزمن تشبه "الياسق" الذي وضعه "جنكزخان"، والذي قال عنه الإمام ابن كثير في تفسيره: "فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير".
أما الحاكم المسلم الذي يحكم بما أنزل الله ولا يعتقد شريعة مخالفة لشريعة الله إذا جار في قضية بين اثنين فحابى أحدهما وظلم الآخر أو عاقب أحداً بشبهة أو ظنّ فهو آثم ظالم مرتكب للكبيرة ولا يخرج من الملّة حتى يستحلّ ذلك ويتّخذه شريعة مقدّمة على شريعة الله، وعن مثل هذا الحاكم المسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هي به كفرٌ وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله" [ابن جرير] .
وقال عطاء:"كفرٌ دون كفرٍ وفسق دون فسق وظلم دون ظلم" [ابن جرير]. وقال طاوس: "ليس بكفر ينقل عن الملّة". [ابن جرير] .
هذه عن الحكم بغير ما أنزل الله، أما التحاكم إلى شريعة غير شريعة الله فقد قال الله عن المتحاكمين: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: 60].
إلى أن قال: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
وقد نزلت هذه الآيات فيمن لم يرض بحكم الله في قضية معينة، فدلّت على نفاق أولئك القوم، وأن ما يدّعونه من الإيمان زعم باطل لا حقيقة له.
ووجهت الآيات أنظار المؤمنين نحوهم ليكونوا منهم على حذر واحتراز، ولا ينخدعوا بدعاويهم الكاذبة واعتذاراتهم بحسن القصد والنية. ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾ [النساء: 62] .
وإذا بيّن الله نفاق قوم فقد بيّن كفرهم وعدم إيمانهم. إلاّ أن للمنافقين أحكاماً خاصة بهم يُعاملون على أساسها في الدنيا، وهي تخالف أحكام الكفار الذين يصرحون ويظهرون ولا ينافقون.
والذين نبذوا كتاب الله في هذه الجاهلية الحديثة ليس كفرهم كفر نفاق، وإنما هو كفر ظاهر وردّة صريحة. فهم :
(أولاً) يعلنون أن التشريع يتطور كما تتطور الآلات والصناعات، ومعنى العمل بكتاب الله وتلقي التشريع منه هو –في نظرهم- الجمود والتخلّف عن مسايرة الحياة العصرية.
(ثانياً) لا يتعلّمون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يأمرون بتعلّم ذلك بينما هم يرسلون الطلبة إلى الخارج، وينفقون عليهم ليقضوا السنوات في تعلّم النظم والقوانين البشرية الوضعية التي افتتنوا بِها وظنّوها أرقى من شريعة العليم الخبير، كي يصبحوا بعد ذلك قادة وقضاة ومحامين يحتلُّون أسمى المراكز ويُنظر إليهم بعين التقدير والاحترام .
(ثالثا) ينتقصون شريعة الله ويقلّدون الكفار الغربيين في استنكارهم لجوانب منها كقطع يد السارق، ورجم أو جلد الزاني، وقتل المرتد، وحرمة الربا، والحجاب، وإباحة الطلاق، وتعدد الزوجات ... الخ .
(رابعا) يحاربون المسلمين بشراسة ووحشية وينْزلون عليهم من العقوبات ما لا ينْزلون على المجرمين، حتى أصبحت الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة -والكفر بما يخالفها من المبادئ والنظريات والنظم- أخطر الجرائم التي تُرتكب في هذا العصر في اعتبارهم الجاهلي .
(خامساً) يؤمنون بالقوانين الوضعية العالمية، كميثاق هيئة الأمم المتّحدة وقوانين محكمة العدل الدولية. هذه القوانين التي تسوِّي بين الكافر والمسلم والرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. والتي تنكر الجهاد لإعلاء كلمة الدِّين وتصفه بالاعتداء على حقوق الآخرين .
(سادساً) يظهرون المودّة لأهل الكفر بتبادل الزيارات وإقامة الحفلات والتعاون في كثير من المجالات كالمجال الاقتصادي والعسكري والتعليمي والتعاون كذلك في إيقاف الزحف الإسلامي المتزايد. كما يقولون، كل هذه الأمور وغيرها تخرجهم من صف المنافقين وأحكامهم وتجعلهم في صف الكافرين المجرمين وأحكامهم. ولا فرق في هذا بين الحاكمين والمحكومين: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106] .

[د] وصفُ الله تعالى الشرك بالله بأنه ضلال بعيد

[د] ومنها:
أن الله تعالى وصف الشرك بالله بأنه ضلال بعيد كقوله: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116] .
﴿ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60] .
﴿ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [الحجّ: 12] .
وبيّن كذلك أن لا أضلّ ممن أعرض عن هدى الله واتّبع هوى نفسه.
فقال: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50].
وهدى الله يشمل ما أنزل الله من العقائد والأحكام والأخلاق فمن رغب عن شيء مما بيّنه الله وظنّ أن الهدى أكمل في غيره مما وضعه الناس من الهوى، فقد دلّت الآية على وقوعه في الضلال البعيد الذي هو الشرك بالله وأنه مساوٍ للذي يدعوا من دون الله ما لا يضرّه ومالا ينفعه، إذ أن قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾ يُفيد أنه بلغ النِهاية في الضلال وأنه أصبح أبعد الضالّين ضلالاً.
وكذلك قد وصف الله الشرك بالله بأنه ظلم عظيم، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] .
ووصف المعرض عن الهدى بأنه بلغ النِهاية في الظلم وأنه لا أظلم منه.
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [ألم سجد: 22].
وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [الكهف: 57].
فعُرف من ذلك أن اتّباع الهوى ومخالفة الهدى كفر أكبر مخرج عن ملّة الإسلام.

[هـ] خطاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن الإتباع

[هـ] ومنها:
إن الله تعالى خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم في شأن الاتّباع فقال: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 145].
قال الله تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].
وقال الله تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ﴾ [الرعد: 37].
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أعلى الدرجات في مقام النبوة والوحي والقرب من الله قد خوطب بهذه الآيات التي تتضمن الوعيد والتهديد، وأخبر أنه سيكون من الظالمين أي الكافرين إن فعل ذلك فغيره أولى بأن يلحقه هذا الوعيد، وأن يوصف بالظلم والكفر إن اتّبع الهوى وترك العلم المنَزَّل من الله.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من الضلال والظلم فيكون الخطاب إذاً لأمته كي لا تتعرّض لغضب الله باتّباع الهوى وترك العلم.
ومن الناس من يتردّد أو يتوقّف في حكم الذي يدعى الإسلام ويشهد الشهادتين ويصلِّي ويصوم ولكن لا يرى الحكم بين الناس بكتاب الله أو لا يرى بالتحاكم إلى غير شريعة الله بأساً .
لكن المؤمن إذا تدبّر هذه الآيات الثلاث عرف أن ليس هناك مجال للتردّد والتوقّف بعد بيان الله الصريح، ويعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم عند مخاطبة الله إياه بهذه الآيات كان أول من أسلم وشهد الشهادتين وصلّى وصام لله، ويعرف أن لو كانت كلمة الشهادة مع الصلاة والصيام شرطاً مانعاً من تكفير المستحلّ لاتّباع الهوى وترك العلم ما خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بِهذا الأسلوب المتضمّن للوعيد والتهديد.

[و] تكفير الله تعالى لمن قدّم طاعة الكفار على طاعة الله ورسوله

[و] ومنها :
أن الله تعالى بيّن أن المسلم إذا أطاع الكفار في أمر من الأمور وترك طاعة الله ورسوله فإنه يصير بذلك كافراً مرتداً.
قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 32].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ [محمد: 25-26].
أولئك المرتدون المذكورون في الآيات قد ارتدّوا عن الإسلام لأنهم قالوا للكفار ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ ﴾.
فإذا كان ذلك كذلك فكيف بمن يطيع الكفار في كل شيء في جميع شئون الحياة .. في العقائد والشرائع والأخلاق. ويظنّ أنهم قد اهتدوا إلى أرقى الشرائع وأفضلها ويعتقد أن هذه الشرائع التي ابتكرها العقل البشري بغير مستند من شريعة الله من أهمّ العلوم التي تخدم الإنسانية وتضمن لها البقاء والإستقرار والأمن، أليس يكون هو أولى بالردّة عن الإسلام من هؤلاء المذكورين في الآية. إنّ بيان الله صريح في أنّ الهدى في اتّباع كتابه والضلال في الإعراض عنه.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 104].
وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71].
وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

[ز] تكفير الله تعالى لمن كره شيئاً من تنْزيله

[ز] ومنها :
أن الله تعالى بيّن أن من كره شيئاً من تنْزيله لا يبقى له عند الله عمل صالح وأن الله سيحبط أعماله الصالحة كلها.
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمّد: 9].
وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمّد: 28].
فظاهر من الآيتين أن الإنسان إذا رضي بشريعة الله وعمل بِها ولكنّه كره أية واحدة وجاهر بِمخالفته لها فإنه يكون حينئذ كمن لم يعمل بشيء من الشريعة على الإطلاق، وذلك أن الله سيحبط أعماله الصالحة الموفقة للشريعة كلها، فلا يكون له عند الله مثقال ذرّة من خير، لأن كراهية الحقّ هي الكفر بالله والكفر محبط للأعمال الصالحة.
قال تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
فإذا كان ذلك كذلك فكيف بمن كره إتّباع الشريعة كلّها ورماها بالنقص وعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة العصرية، أليس يكون هو أولى بأن يحبط الله أعماله الصالحة كلها إذا كانت له أعمال صالحة من ذلك الذي كره آية واحدة من كتاب الله. ولو أنّ أولئك الحكام المنكرين لإتّباع الشريعة أظهروا التوبة من ذلك وحكموا بين الناس بما أنزل الله وأقاموا فيهم الصلاة وجمعوا الزكاة وقتلوا تارك الصلاة ومانع الزكاة وأقاموا الحدود الشرعية، وأمروا بجهاد الكفار، لو فعلوا كل ذلك ولكنهم استباحوا التعامل بالربا وحده من غير تأويل وردُّا النصوص الصحيحة من القرآن والسنة، وأعلنوا أنّهم لا يريدون أن ينقادوا لهذه النصوص في هذا الزمن المتطوّر لو فعلوا ذلك ما كان هناك مجال للتوقف أو التردّد في الحكم عليهم بالكفر البواح. فكيف إذاً وهم مجاهرون بمخالفة الكتاب كلّه منسلخون من الدِّين جملة وتفصيلاً.
وليس للمؤمن أن ينخدع بما يظهره بعض أولئك الحكام الطغاة من شعائر الإسلام، لأن كراهيتهم للشريعة أو لبعض جوانبِها أمرٌ مشهودٌ، وإحباط الله لأعمال الكارهين لتنْزيله خبرٌ ثابتٌ مقروءٌ. وكيف ينخدع بشعائر وأعمال قد بيّن الله أنه أحبطها وأنها لا تساوي عنده شيئاً.
إن كراهية أولئك الطغاة لما أنزل الله تتجلَّى فيما يأتي :
(أولا): في تمسّكهم الشديد بالنظم الجاهلية الصادرة من الكفار أعداء الإسلام وتطبيقهم عملياً في كلّ شئون الحياة بفخر وإعتزاز.
(ثانيا): في تربيتهم للأجيال الناشئة تربية تضلّهم عن الإسلام عقيدة ونظاماً وخلقاً وسلوكاً وتزيّن لهم سبل الضلال وتظهر لهم الإسلام مجموعة من التقاليد البالية التي يجب أن يتحرّر منها الإنسان المعاصر.
(ثالثا): في حروبِهم الشرسة وسحقهم الوحشي لدعاة الإسلام الحنيف.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا﴾ [الحجّ: 72].
وقال تعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [أل عمران: 21-22].

[حـ] تكفير الله تعالى للأمة المطيعة للقادة والمرشدين في خلاف كتابه

[حـ] ومنها :
أن الله تعالى بيّن في كتابه أن الأمة إذا اتّخذت قادة ومرشدين لنفسها ورضيت أوامرهم وأحكامهم المضادة لأحكام الله فإنّها تكون حينئذ أمة ضالة كافرة. وهذا الكفر والضلال يعمّ الحاكم والمحكومين الذين أظهروا الرضى والقبول وانقادوا لأحكام العبيد لأن الله تعالى لم يفرّق بينهم في ذلك، بل إنه وصف فرعون وجنوده بالخطيئة والإستكبار ولم يفرّق بينهم.
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: 8].
وقال تعالى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [القصص: 39].
وكذلك لم يفرّق بينهم في عذاب الدنيا.
قال تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: 40].
ولم يفرّق بينهم كذلك في عذاب الآخرة:
قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ [غافر: 47-48].
وقد كان فرعون وملاؤه يعلمون أن الحقّ مع موسى عليه السلام ولكن منعهم الإستكبار وحبّ الرئاسة عن الإذعان للحقّ.
قال تعالى: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: 102].
وقال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14]
وهذا يدلّ على أنّ من علم الحقّ وأبى اتّباعه لا يعدّ من المؤمنين بالحقّ، لأن الإيمان ليس المعرفة القلبية وحدها، وليس هو القول مع المعرفة، وإنما هو قولٌ وعملٌ ونيةٌ.
فمن لم يتّبع الحقّ بعد علمه به لا يكون إلاّ مكذّباً وله عقوبة المكذِّبين في الدنيا والآخرة.
والمسلم قد يكون في دار غلبت عليها الجاهلية ولكن لا يجوز له أن يطيع الكفار في معصية الله إلا ما كان في حدود الإكراه، وإنما يجب عليه أن ينكر ذلك المنكر بقدر إستطاعته.
كما ورد في الحديث: «من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». [مسلم].

[ط] بيان الله تعالى لمضمون دعوة رسله وأنها عبادة الله واجتناب الطاغوت

[ط] ومنها :
أن الله تعالى بيّن في كتابه مضمون دعوة الرسل عليهم السلام وأخبر أنّها كانت دعوة إلى عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36].
وقد دخل في مسمّى الطاغوت الإنسان المتبوع المطاع في معصية الله.
قال الإمام ابن جرير الطبريّ: "والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعُبد من دونه إما بقهرٍ منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كان ما كان من شيء" [جامع البيّان: م/ ص/25].
ولذلك لا يصحّ أن يعدّ من المسلمين المستجيبين لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم من يعرض عن كتاب الله المحكم ويصرّ على اتّباع الشرائع الصادرة من هوى البشر، ومن اعتبره مسلماً مع تلبّسه بذلك بسبب ما يدّعيه من الإسلام لله لزمه أن يعتبر عباد الأوثان والأصنام مسلمين إذا إدّعوا الإسلام وهم عاكفون على عبادة الأوثان والأصنام، لأن كليهما عابدٌ للطاغوت ولم يستجب لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا فرق بينهم في الحقيقة.

[ي] كون المطلوب من النّاس أن يتّخذوا الله تعالى ملكاً لهم

[ي] ومنها :
أن الله تعالى بيّن أنه يريد من الناس أن يتّخذوه ملكاً لهم ولا يسمّى ملكاً من لا يطاع أوامره ولا يجتنب نواهيه. وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه ملك الناس والملك الحقّ ومالك الملك.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ﴾ [الناس: 1-2]
وقال تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ [طه: 114].
وقال تعالى: ﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ [التغابن: 1].
وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [المائدة: 18].
وبيّن أن الحكم والأمر له وحده، وأنه لا يحلّ لأحد أن يحكم ويأمر وينهى من تلقاء نفسه.
قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [يوسف: 40].
وقال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54].
وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: 154].
وكذلك حرّم طاعة ملوك الأرض وجبابرتِها المسرفين.
قال تعالى: ﴿وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: 151-152].
وقد جمع لمن عصاه وأطاع الملوك والجبابرة من دونه عقوبة الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: 96-97].
وقال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ، فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الزخرف: 45-55].
وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: 59-60].
وخطورة الأمر ظاهرة من الآيات القرآنية، وقد تُرك للإنسان الخيار وله أن يسلك أيّ الطريقين شاء، إما أن يطيع الملك الحقّ ويتّبع ما شرعه جملة وتفصيلاً ويكفر بملوك الأرض وشرائعهم فهو حينئذ مؤمنٌ مسلمٌ حنيفٌ. وإما أن يطيع ملوك الأرض ويتّبع شرائعهم فهو حينئذ كافرٌ مشركٌ عدوٌّ لله مستحقّ لعذاب الله في الدنيا والآخرة.

[ك] أمرُ الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بالكتاب

[ك] ومنها :
أن الله تعالى أنزل كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم وأمره أن يحكم به بين الناس.
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء: 105].
وقد إمتثل النبي صلى الله عليه وسلم بِهذا الأمر وحكم بين الناس بالكتاب والحكمة مدى حياته واقتدى به خلفاؤه الراشدون ومن جاء بعدهم من الأمراء والحكام. والمسلمون كانو مجمعين على هذا الطريق في عصورهم كلها ولم يخرج عنه إلا من خرج عن الإسلام إلى الشرك والكفر بالله.
ومن خالف هذا الإجماع واختار حكم الجاهلية على حكم الله فهو مشاقّ للرسول صلى الله عليه وسلم متّبع لغير سبيل المؤمنين ومصيره معروف.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

[ل] أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج

[ل] ومنها
أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة صحيحة أنه أمر بقتل الخوارج وحرّض على ذلك وبيّن ما في ذلك القتل من أجر عظيم عند الله، وثبت كذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم أجمعوا على قتالهم ولم يختلفوا فيه لما ظهرو في عهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وثابت كذلك أن الفقهاء قد اختلفوا في حكمهم، فمنهم من رأى تكفيرهم مستدلاً ببعض الألفاظ الواردة في الأحاديث:
قال صلى الله عليه وسلم: "شرّ القتلى تحت أديم السماء" [الترمذي وأحمد وابن ماجه].
وقال صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدِّين مروق السهم من الرمية" [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الإسلام" [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد" [متفق عليه].
ومنهم من لا يرى تكفيرهم ويقول إنّهم كانوا متأولين، ومنهم من يرى التوقّف وعدم الإطلاق عليهم بكفر ولا إسلام، ومع هذا فالجميع متّفقون على قتالهم إذا خرجوا واجتمعوا عملاً بالأحاديث الصحيحة وإقتداءً بالصحابة.
والسؤال هو ما هي حقيقة أولئك الخوارج الذين وقع الإجماع على قتالهم وقتلهم؟
إذا بحثنا عن حقيقتهم فإننا نجد أنّهم قبل ضلالهم:
(أولا) كانو مسلمين ومن قرّاء المسلمين الذين تعلّموا القرآن من الصحابة الذين كانو بالعراق، كعبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعريّ وغيرهم.
(ثانياً) لم يطعن أحد في إيمانِهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولم يكونوا مشركين في الإعتقاد والعبادة ولا في الإتّباع والتشريع.
(ثالثاً) إنّهم ظنّوا أن مرتكب الكبيرة خارج عن الإسلام والإيمان بمجرّد وقوعه فيها، ثم أصبح ذلك عقيدة لهم يطبقونها على المسلمين، فاستحلّوا دماء المسلمين وأموالهم، وأصبحوا من مصادر الخطر الذي يهدّد أمن المجتمع واستقراره. وهذا هو أصل ضلالهم.
(رابعاً) وكانوا مع إفسادهم الكبير في الأرض مشهورين بالشجاعة والفروسية والصدق والإستماتة في سبيل المبدأ، واشتهروا كذلك بكثرة العبادات.
فإذا عرفنا حقيقة القوم وعرفنا كذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم في حقّهم وما أجمع عليه المسلمون من قتلهم فإنّنا نستنتج من ذلك.
(أولا) أن المسلمين الموحّدين الذين لا يشركون بالله شيئاً وشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا إجتمعوا واتّفقوا على أمر مخالف لكتاب الله كترك واجب أو إستباحة محرّم فإنّهم يقاتَلون ويُقتلون. كما قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ [الأنفال: 39].
فأولئك الخوارج إستحلّوا أعراض المسلمين واستحلّوا كذلك دماءهم وأموالهم، فأحلّت هذه المخالفات الشرعية دماءهم وأصبحوا شرّ القتلى تحت أديم السماء مع ما إشتهروا به من التمسّك لأصل الإسلام والعبادة الكثيرة.
(ثانياً) إن المخالف للحقّ إذا ظنّ واعتقد أنه على الحقّ وغيره على الباطل لا يكون معذوراً بالجهل ولا ترفع عنه عقوبة المخالفة، لأن الخوارج أنكروا الحقّ وظنُّوه باطلاً، واعتقدوا الباطل وظنُّوه حقّاً، فلم يعذرهم الشرع بالجهل وإنما أباح قتلهم.
(ثالثاً) إن الطواغيت المعاصرين وأتباعهم، الذين نبذوا كتاب الله كله واستحلّوا قيادة الأمم بشرائع لم يأذن بِها الله جاءتْهم من الغربيين الكفّار. إن أولئك الطواغيت والراضين عنهم أشدّ كفراً وضلالاً من الخوارج الذين أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم، لأن الأولين خالفوا جزءً من الشريعة واستمسكوا ببقية الشريعة بشدّة وقوّة. أما المعاصرون فقد خرجوا عن الشريعة كلّها وعدّوها من مخلّفات القرون الماضية. وظنّوا أن الكفّار أهدى سبيلاً وأعدل شريعة، فاتّبعوا سبيلهم واتّخذوا كتاب الله مهجوراً.
ولقد كان الخوارج مع اختلافهم الجزئي يظنّون أنهم متبعون للشريعة وكانوا يرجون رضى الله والجنة بأعمالهم المخالفة للشريعة وكانوا يسمّون أنفسهم بـ"الشراة" .. أي الذين شروا أنفسهم بالجنة ... أما المعاصرون فهم أفسد قلوباً من الخوارج فلا يطلبون رضى الله والجنة بما فعلوه من الكفر، بل إنّهم لا يرون رضى الله والجنّة غاية تستحقّ الاهتمام والطلب وهم كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 7].
وقصة الخوارج وما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأنهم أصل عظيم يبيِّن وجوب التبرّؤ والقتال لمن خرج عن الشريعة واتّخذ خلافها طريقاً يستحسنه، ولو كان ذلك الخارج ينتسب إلى الإسلام ويشهد الشهادتين، ويقوم الليل ويصوم النهار ولو كان كذلك جاهلاً يتأول ويظنّ أنه على الحقّ المبين.
والقصة كذلك حجة على الذين يجادلون عن الخارجين عن الشريعة من المنتسبين إلى الإسلام، هذا الجدال الذي لا يقوم على أصلٍ صحيحٍ من الكتاب والسنة، ولا يبعثه إلا الهوى ورعاية المصالح الدنيوية، أو الجهل وعدم إدراك حقيقة الدِّين إدراكاً صحيحاً وعدم معرفة أن الإنسان قد يكفر ويرتدّ وهو ينتسب إلى الإسلام ويشهد الشهادتين.
وقد استدلّ الإمام ابن تيمية رحمه الله بِهذه القصة لما بيّن كفر المستغيثين بغير الله من المنتسبين إلى الإسلام فقال في الرسالة السنية: "فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام لأسباب منها الغلوّ في بعض المشايخ، بل الغلوّ في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بل الغلوّ في المسيح، فكل من غلا في نبيّ أو رجلٍ صالح وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان أنصرني أو أغثني أو أرزقني أو أنا في حسبك ونحو هذه الأقوال. فكل هذا شركٌ وضلالٌ يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل. ولما سُئِل عن قتال الروافض استدلّ بقصة الخوارج وبيّن أنّهم شرّ من الخوارج الذين أمر بقتالهم". [الفتاوى: م:28].
وكذلك لما سئل عن قتال التتار المنتسبين إلى الإسلام استدلّ بقصة الخوارج وبيّن أنّهم شرّ من الخوارج وأنهم إستباحوا دماء المسلمين بغير تأويل وأنّهم أولى بالقتل والقتال منهم. ولو أنه كان حيّاً ورأى ما عليه كثير من المنتسبين إلى الإسلام كالعلمانيين والديمقراطية والإشتراكيين ودعاة التجديد والتقليد للغربيين لقال قولاً يشبه أقواله في المتقدمين أو أشدّ منه لأنّ شريعة الله لا تتغيّر وحكمها ثابت إلى يوم القيامة.
إن قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه الصحابة للخوارج المارقين وقبله قتال الصديق رضي الله عنه ومعه الصحابة لما نعى الزكاة. وإجماع العلماء والفقهاء بعدهم على تصويب أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب في قتالهم للخارجين عن الشريعة. إن ذلك القتال وذلك الإجماع يكفي لمعرفة مذهب السلف الصالح في مسألة المنتسبين إلى الإسلام إذا خرجوا عن الشريعة بتأويل أو بغير تأويل. ويكفي كذلك لمعرفة بطلان فكرة المرجئة القائلة بأن من قال لا إله إلا الله حرُم دمه وماله ودخل الجنة، من غير إستثناء ومن غير إشتراط لشرط من الشروط. والنصوص الدالة على كفر وضلال متّبع الهوى أكثر من ذلك. ونكتفي بِهذا القدر الذي فيه الكفاية لمن كان قصده إتّباع الحقّ.

أهمية معرفة حكم البيئة

ومن الأمو الضرورية شرعاً أن يعرف المسلم حكم البيئة التي يعيش فيها، أهي بيئة إسلامية أم هي بيئة جاهلية، لأن إتّباعه لمنهج الله في الحياة يتعلّق بِهذه المعرفة، ولا يستقيم بدونِها. فالبيئة إذا كانت في ميزان الله بيئة إسلامية منقادة لأوامر الله وأحكامه فهناك طريق يأمر الله بسلوكه وحقوق يوجبِها على المسلم لبيئته المسلمة، وأحكام يتعامل على أساسها مع الأفراد والجماعات التي تتألف منها هذه البيئة، فمثلاً يكون واجباً عليه أن يطيع قيادتَها في المعروف وأن يصلّي خلفها ويعطيها زكاة ماله ويقاتل تحت رايتها وينصح لها وينصرها ويواليها، وأن يؤدي جميع الحقوق التي جعلها الله ورسوله للمسلمين على المسلمين كما هي في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كانت البيئة في ميزان الله بيئة جاهلية فاسقة عن أوامر الله وأحكامه فهناك طريق آخر يختلف عن الأول كل الاختلاف يأمر الله بإتّباعه، هناك البراءة منهم ومفاصلتهم على العقيدة والكفر بقيادتِهم الجاهلية وطاغوتِهم المطاع، هناك دعوتهم إلى الله بالطريقة المبيّنة في كتاب الله التي سلكتها رسل الله على توالي الأزمان، والتآسي بأولئك الرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذي صبروا على التكذيب والإعراض، وعلى المتاعب الكثيرة التي لحقتهم من جرّاء الدعوة التي قاموا بِها والتي كانت مفروضة عليهم فرضاً.
ومن جهل حكم البيئة ولم يهتمّ بمعرفتها فقد جهل الطريق الواجب عليه سلوكه. وجهل كذلك كيفية العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجهل الحقوق التي له والتي عليه. وذلك أن الله تعالى قد قسم القيادات التي تحكم المجتمعات البشرية إلى قيادة ضالة كافرة، وقيادة مهتدية إسلامية. وجعل للقيادة الإسلامية حقوقاً على المسلم لم يجعل مثلها للقيادة الضالة الكافرة.
كما أنه أنزل طريقة يتعامل المسلم على أساسها مع أخيه المسلم وأخرى يتعامل على أساسها مع أهل الشرك وأتباع الطواغيت، فإذا كان الإنسان لا يدري حكم البيئة أو أخطأ في حكمها فلا بدّ تبعاً لذلك من أن يُخطئ في العمل بالكتاب والسنة وأن يضع النصوص في غير موضعها الصحيحة إذا كان جاداً في إتّباع الكتاب والسنة.
وأقرب مثال لذلك هو أولئك الذين يدعون الناس إلى الجهاد ضدّ النصارى، وهم في ظلّ حكومة جاهلية علمانية تعادي الإسلام وتحارب أهله، فينطلقون من قاعدة كافرة تُعتبر دار حرب في ميزان الإسلام لملاقات أمثالهم من الكفار، وذلك أنّهم قد فهموا من كتاب الله أنه يأمرهم بالجهاد، وفهموا أن النصارى كفار، لكنهم جهلوا أحكام العلمانيين والديمقراطيين الجاهلين الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم خارجون منه خروجاً كاملاً، فأوردهم هذا الجهل ذلك التصرف الغريب الذي هو تركهم لقتال الكفار الذين يلونَهم إلى الذين لا يلونَهم فوق أنّهم لم يبلغوا درجة من القوّة يستطيعون بِها الصمود في وجه إحدى القوّتين. ولا بدّ للجهاد من قاعدة حرّة مستقلّة، ولا بدّ له من إعداد القوّة المادية والمعنوية، كما يؤخذ ذلك من التوجيهات المباشرة للقرآن الكريم.
وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة متكرّرة للتصرفات الصبيانية الناشئة عن الجهل بالواقع أو الجهل بالتوحيد ولوازمه. ﴿وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213] .

(2) البراءة

(2) البراءة والمفاصلة
أول ما يجب على المسلم الّذي عرف أصل دينه معرفة تامة وعرف حق الله الّذي عليه وعرف الفرق الّذي بين أهل الإسلام وأهل الجاهلية هو أن يكون بريئاً من أهل الشرك كبراءته من الشرك. والبراءة المطلوبة هي:
(1)بغضهم في الله (2) عدم موافقتهم في منكراتهم (3) قطع موالاتهم

أولاً بغضهم في الله

(أولاً) بغضهم في الله :
المشركون لم يستجيبوا لرّبهم الّذي يدعوهم إلى صراطه المستقيم صراط التوحيد والإسلام واستجابوا لنداء الشيطان الّذي يدعوهم إلى صراط الجحيم صراط الشرك والجاهلية، ولذلك فهم أولياء الشيطان عدو الله الكافر، ومن واَلىَ عدوَ الله فقد جاهر بمعاداةِ الله وخروجه عن حزبه المفلح. فهُما حزبان متعاديان متضادّان ولكل منهما آمرٌ متبوع، والآمران لا يتفقان ولا يصطلحان. ومن ثم وجب على المؤمِن أن يبغض المشركين في الله، بل إنّه لا يكون مُؤمناً حتى يُبغضَهم وتزول مودّتَهم من قلبه.
قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22].
والله سبحانه قد لعن في كتابه الشيطان فقال: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا ، لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ [النساء: 117].
ولعن كذلك أولياءهُ الكفار فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا﴾ [الأحزاب: 64].
وقَالَ: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف :18].
والمرءُ مع من أحب، كما في الحديث الصحيح المتواتر. فمن أحبِّ الملعونين كان ملعوناً مثلهم.
والمشركون أيضاً ظالمون، لأنَهم صرفوا حقّ الله الّذي عليهم إلى غيره من العبيد. فمن أحبّ الظالمين فقد أحبّ الظلمَ ورضى عنه فصار من أهله.
وقد قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: 113]
وفي الحديث: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله)» [الطبرانى].
وفي الحديث الأخر: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد إستكمل الإيمان» [أبو داود].
أما محبة الإيمان والإسلام لهم والحرص على إنقاذهم من شقوة الكُفر والجاهلية فهذا حسن مأمورٌ به، وليس هو من المودّة المحرّمة التي لا تُوجد في قلوب المؤمنين. وقد كان كلّ رسولٍ من رّسل الله حريصاً على هداية قومه وإنقاذهم من الضلال والخسران قائلاًلهم: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعْراف: 59].
وكانوا مع ذلك يبغضون المشركين ويعلنون لهم أن العداوة والبغضاء ستستمرُّ بينهم ولاتزول أبداًحتى يؤمنوا بالله وحده.
قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة:4].
والشرك بالله ليس نظرية مجرّدة مستقلّة عن الناّس، وإنّما هو عقيدة مكنونة في قلوب بعضهم وتظهر للواقع في صورة حركات وأفعال. فمن كان صادقاً في بغضه للشرك بالله لابد له من أن يبغض المشركين وإلا كان كاذباً في دعواه.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ... وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة :1].
وقد شرع الله للمسلمين أن يخالفوا المشركين في الهدي الظاهر لأنّ التشابه فيه يورث المودة القلبية. فشرعت المخالفة لإبعادهم عن مودتِهم والركون اليهم.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الانعام:159].
قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد:16].
عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تشبه بقومٍ فهو منهم» [أبو داود].
وعنه أيضاً: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب واعفوا اللّحي» [متفق عليه].
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» [متفق عليه].
وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الدِّين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون» [أبوداود].
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [مسلم].
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولاخفافهم» [أبو داود].
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتّبع جنازةً لم يقعد حتى توضع في اللحد. فتعرض له حبرٌ فقال: هكذا نصنع يا محمد، قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خالفوهم» [أبوداود].
وعن ابن عباس مرفوعاً: «اللّحد لَنَاْ والشقُ لِغيرنَاْ» [أهل السنن].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: «ليس منَّاْ من تشبَّه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإنّ تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف» [الترمذي].
وعن ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعاً: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا يوماً قبله ويوماً بعده» [أحـمد].
قال المروزي: سألتُ أبا عبد الله -أحمد بن حنبل- عن حلق القفَاْ فقال: "هو من فِعْل المجوس، ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم".

ثانياً عدم موافقتهم في منكراتهم

(ثانياًّ) عدم موافقتهم في منكراتِهم :
يجب على المسلم أن لا يوافق المشركين في منكراتِهم من الشرك بالله والفسوق عن أمرِ الله، وأن يكون بريئاًمنهم إعتقاداً وسلوكاً.
قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6].
وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 41 ].
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام :19].
وقال تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى :15].
وقال تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا﴾ [الأسراء:84].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ، إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف:26-27].
وهذه البراءة ليست قولية فحسب، وإنما هي عملية، وتؤثر في حياة المسلم وتجرُّ له المتاعب والشدائد، يتنكر له الأقرباء وينقلب الأصدقاء إلى أعداء لايرقبون فيه إلاً ولا ذّمة كما قال تعالى: ﴿لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبه: 10].
فتخرج حياته حينئذ عن مسارها المعتاد، ويكون كالمنبوذ المطرود في بيئته، متعرّضاً للأخطار في كلّ حين، فيقع الإبتلاء الموعود فيصبر المؤمنون ويرتدّ المنافقون. ومن طبيعة البشر أن لا يصبروا على الإنتقاد والطعن في عقيدتِهم وسلوكهم، ولوكانت هذه العقيدة شركاً محضاً والسلوك فسقاً وفجوراً، لأنّهم يرون ذلك تسفيهاً لأحلامهم وتنقصاً لأبائهم وأجدادهم، فكانت مقاومتهم للحق الّذي جاءت به الرسل عليهم السلام دائماً شديدةً وعنيدةً.
قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ [الأنعام: 108].
وقال تعالى: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ [التوبه:37].
وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر:8].
وكان المشركون يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شتم آلهتهم وكفر أباءهم وسفّه أحلامهم، ويقولون إذا رأوه استهزاء ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا﴾ [الفرقان:41]. ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء:36].
وكان الله تعالى يأمر نبيه أن يكون ثابتاً على الحق لا يتزحزح ولا يستجيب لإقتراحاتِهم وإغراءاتِهم، وأن يقول الحقّ ولو كرهوه.
قال تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14].
وقال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر:94].
وقال تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم :8-9].
لأن الثبات والإصرار على الحق إذا تمّ على الوجه الصحيح سيكون صفحةً مقابلة للشرك، وطريقاً معارضاً له، فيبعث ذلك الناس على النظر والبحث والمقارنة بينهما، وترجيح أحدهما على الآخر، فيظهر للعقلاء حينئذ قبح الشرك وعيوبه وحسن التوحيد ونزاهته، فيكون ذلك سبباً لقبولهم دين الله: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [ص:29].
ومن أخطر الأمور أن يشّك المسلم في حقيقة الجاهلية، وأن يظن بِها خيراً وإسلاماً وهم لايزالون في جاهليتهم، يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، لأنه ينتج من هذا الشك أن يشك في طريقه،وأن يضعف عن البراءة والمفاصلة، وأن يوافقهم ويصطلح معهم ويكون منهم. وهذا هو الكفر والضلال والخذلان. وقد نَهي الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يدخل هذا الشك الّذي هو أولى الخطوات إلى طريق الكفر وموافقة الجاهلية في قلبه، فقال له: ﴿فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود:109].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [هود:17].
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [يونس:94-95].
وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: 79-81].
قال سيد قطب رحمه الله: "كذلك لاينبغى أن تقوم في نفوس أصحاب الدعوة إلى الله تلك الشكوك الّسطحية في حقيقة الجاهلية وحقيقة الإسلام وفي صفة دار الحرب ودار الإسلام. فمن هنا يؤتى الكثير منهم في تصوراته ويقينه، إنه لا إسلام في أرض لايحكمها الإسلام ولاتقوم فيها شريعته، ولا دار إسلام إلاّ التي يهيمن عليها الإسلام بمنهجه وقانونة. وليس وراء الايمان الاّ الكفر، وليس دون الإسلام الاّ الجاهلية، وليس بعد الحق إلا الضلال". [معالم في الطريق].

ثالثاً قطع موالاتهم

(ثالثا) قطع موالاتِهم:
لا يحلّ للمسلم أن يوالي أهل الجاهلية المشركين، وأن يتّخذ منهم أولياء. وكلمة (وليّ) تحمل معاني القرب والحبّ والنصرة والطاعة. والمرء قبل إسلامه كانت عشيرته أوقبيلته أومجتمعه أقرب النّاس إلى قلبه، وكان يحبُّهم ويطيعهم وينصرهم ويرجوا منهم النصرة، وكان يغضب لهم ويكره مساء تَهم. وهذا هو (الولاء) فإذا أسلم المرء وبقيت العشيرة أو القبيلة أو المجتمع في الشرك لا يحلُّ أن يستمرّ ولاؤه لهم،وأن يكون كما كان قبل إسلامه، بل عليه قطع موالاتِهم، واتّخاذ المؤمنين أولياء له من دونِهم. فمن أعلن موالاته لأهل الشرك وبراءته من أهل التوحيد كان كافرا مشركا مثلهم. ومن أعلن موالاته لأهل التوحيد وبراءته من أهل الشرك، ولكنه أضمر خلاف ذلك ووالى المشركين في السرّ كان منافقاً له ما للمنافقين في الدنيا والاخرة.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [التوبة:23].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة:51].
قال تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء:138-139].
وقال تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران:28].
قال الإمام إبن كثير في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ أي من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرّهم فله أن يتقيهم بظاهره لابباطنه ونيته، كما قال البخارى عن أبي الدرداء أنه قال "إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم".
وقال الثوريّ: قال ابن عباس: "ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان".
ولم ينه الله المسلمين عن صلة أرحام المشركين الذين لا يقاتلونَهم في الدِّين، ولا يجهرون بطعن الإسلام.
قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9]
قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان:15].
قال تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ [التوبة: 12].
ومن العلاقات التي لا تنقطع بين أهل الإسلام وأهل الجاهلية التي لا تعد من الموالاة
• صلة الأرحام، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين.
• دعوتُهم إلى الله، وتعليمهم دين الإسلام.
• الأخذ والعطاء في أمور التجارة والتعامل اليومي.
أما الإجتماع معهم في المعابد والمساجد وهم لا يزالون مصرين على شركهم وكفرهم للوقوف بين يدى الله صفا واحداً، والإقتداء بِهم في صلاتِهم، فهذا لا يجوز، ويدلُّ عليه ما يأتي:
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة :17].
مع قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة : 28].
قال تعالى: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون:6].
فدلت الآية على أن أهل الإسلام وأهل الشرك لا يلتقيان في أمر من الأمور الدينية قبل توبة أهل الشرك من الشرك. والصلاة من أهم أمور الدِّين كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]. فسمَّى الصّلاة ديناً.
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].
يدلُّ على أنّ المشركين ليسوا من أهل الصّلاة.فمن صلّى منهم فهو كمن لم يصل. فكيف تصحّ الصّلاة خلفهم. وقد قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾
وقال تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس:87].
قال المفسرون: (قبلة) أي مساجد.
وقال سيد قطب في "ظلال القرآن" عند هذه الآية: "وهذه التجربة التي يعرضها الله على العصبة المؤمنة ليكون لها فيها أسوة ليست خاصة ببني إسرائيل، وإنّما هي تجربة إيمانية خالصة، وقد يجد المؤمنون أنفسهم ذات يوم مطاردين في المجتمع الجاهلي، وقد عمت الفتنة وتجبر الطاغوت وفسد الناس وانتنت البيئة، وكذلك كان الحال على عهد فرعون في هذه الفترة.وهنا يرشدهم الله إلى أمور:
(1) إعتزال الجاهلية بنتنها وفسادها وشرها ما أمكن في ذلك، وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها لتطهرها وتزكيها وتدربِها وتنظمها حتى يأتي وعد الله لها.
(2) إعتزال معابد الجاهلية وإتخاذ بيوت العصبة المؤمنة مساجد تحسّ فيها بالإنعزال عن المجتمع الجاهليّ، وتزاول فيها عبادتَها لربِّها على نَهجٍ صحيح، وتزاول بالعبادة ذاتِها نوعاً من التنظيم في جو العبادة الطهور". [في ظلال القرآن].
وقد أُمر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن أن يكون من المؤمنين، وأن لا يكون من المشركين. كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:14].
وقوله تعالى: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [النمل:91].
وقوله تعالى: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:104].
وقد أُمر صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات وأشباهها في القرآن أن يكون من المؤمنين في "العقيدة" وفي "الولاء"، ونَهي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون من المشركين في "العقيدة وفي "الولاء". والنبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما من ذلك، ولكن الخطاب للأمة، كي يعلموا أنّ من وافق المشركين في عقائدهم وأعمالهم التي قد صاروا بِها مشركين يكن مثلهم مشركا مخالفا للحق الّذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وليعلموا كذلك أنّ من لم يوافق المشركين في ذلك ولكنه والاهم ووادّهم من دون المؤمنين يكن أيضا كافراً مثلهم كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم﴾ [المائدة: 51].
فقد خوطب الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الآية بعد الهجرة إلى المدينة بزمن وكانوا مسلمين يشهدون الشهادتين ويؤدون الفرائض ويجاهدون الكفار ويطلبون الشهادة. فدلّ ذلك على أن من والى المشركين موالاة ظاهرة لا ينفعه تكلّمة بالإسلام وأداؤه لبعض فرائضه لكفره الظاهر بالله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة : 51].

(3) الدعـوة إلى الله

(3) الدعوة إلى الله
الدعوة إلى الله فريضة فرضها الله على المرسلين والمؤمنين
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. إِلا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن:22-23].
وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، وَاخْفِضْ جَنَاحاَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: 214-216].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [المائدة:67-68].
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33].
وقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر:1-3].
عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال ياقوم إننى رأيت الجيش بعينى، وإنِّي أنا النذير العريان فالنجاء، فأطاعته طائفة من قومه، فأدلجوا فانطلقوا على مهلتهم. وكذَّبتْ طائفة منهم فأصبحوا مكانَهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق». [مسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه يوم خيبر: «أنفذ على رسلك حتى تنْزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه. فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير من أن يكون لك حُمر النعم». [متفق عليه].
ويجب أن تكون الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: والحكمة هي إصابة الحقّ. والقرآنُ حكمةٌ أنزلها الله للبشر، من تَمسَّك به لا يضلُّ ولا يشقى. فيجبُ أن يعتمد عليه الداعية في أداء وظيفة الدعوة.
قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق : 45].
ويجب أن تكون الدعوة بالموعظة الحسنة. أي بالكلام البليغ المؤثر الواصل إلى قلب المستمع، وأن يكون الإظهار للحق بالرفق والقول الليِّن، والإ بتعاد عما يثير الغضب والنفور والإنتصار للنّفس.وليس من الحكمة والموعظة الحسنة إخفاء حقيقة الإسلام لخشية معارضة الناس ونفورهم.
قال تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:43-44].
ومن الحكمة عدم عرض التفاصيل والأحكام الفرعية قبل قبول الناس للعقيدة والتوحيد، لأنّ الله تعالى لم ينْزل الأحكام والحدود إلا بعد أن إستوفت العقيدة حقها من البيان، ورسخت في نفوس المؤمنين رسوخا كاملاً.
عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «إنك تأتى قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله إفترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله إفترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فَتُردّ إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». [متفق عليه].
قالت عائشة رضي الله عنها عن القرآن: "أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام. ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا:لا ندع الخمر أبدا. ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبداً". [رواه البخاري].
والدعاة إلى الله في أوساط الجاهلية أمامهم مجالان للعمل:
(الأول) الْمجال الخارجي: وهو دعوة أهل الجاهلية إلى الإسلام الحنيف الّذي هو الإقبال على الله والميل إلى عبادته وحده،والإعراض عما سواه من المعبودات البشرية وغير البشرية، وإنذارهم عواقب الكفر والعصيان.
قال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ [إبراهيم:1-3].
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت:6-7].
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7].
وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص: 65].
وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الانعام:51].
وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: 18].
وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم:39].
(الثاني) المجال الداخلي: وهو الإهتمام بتربية وتعليم المسلمين حتى تصحّ أفكارهم ومشاعرهم وأعمالهم، وتكون موافقة للقرآن ولطريق السلف، الذين رباّهم القرآن، وبذل الجهد حتى يتحرّر كلّ فردٍ منهم من الأفكار والمشاعر والأعمال الجاهلية التي إعتادها في حياته قبل الإسلام، والتي قد يكون بعض رواسبِها متبقيا في نفسه.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران:164].
وقال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:151].
وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [أل عمران:104].
وقد كان رسو ل الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ المسلمين ما جهلوه من أمور دينهم وكان يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويصحّح لهم أخطاءهم في الفكر والشعور والعمل، وكان يعظهم وينصحهم أفراداً وجماعات، ويهديهم إلى أرشد أمورهم وما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وقد وصفه الله بذلك في كتبه قبل بِعثته.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف:157].
والإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي أن يكون المسلم الداعية إلى الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ناصحا للمسلمين يعظ الغافل ويعلم الجاهل.
وتربية الأفراد تربيةً إسلامية لا تنجح ولا تؤتِي ثمارها إلاّ بتوافر الشروط الآتية:

الأول المنهج الصحيح

(الأول) المنهج الصحيح:
وهو إتّخاذ القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته المرجع الأول والمصدر الوحيد الّذي يستمدُّ منه المسلم معرفته لحقائق العقيدة ومنهج الحياة.
قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء:9].
وقال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [الجاثية:6].
وقال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [المرسلات :50].
وقال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [البقرة:120].
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاتسألوا أهل الكتاب عن شىء، فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا،وإنكم إما أن تصدِّقوا بباطلٍ وإما أن تكذِّبوا بحقٍّ، وإنه والله لو كان موسى حياًّ بين أظهركم ما حلّ له إلاّ أن يتّبعنِي». [الحافظ أبو يعلي].
والمعرفة للكتاب والسنة وحدها لا تنفع شيأً مالم يصاحبِها عمل وتطبيق. فإن الله لم ينْزل العلم إلاّ للعمل به. فمن علِم ولم يعملْ بعلمه صار من أجهل الجاهلين وأشدّهم إثماً. وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لايخشع، ونفس لاتشبع، ودعوةٍ لا يُستجاب لها». [مسلم].

الثاني القدوة الصالحة

(الثانى) القدوة الصالحة:
وهو كون المربي قدوة صالحة، ومثالاً حياً وترجمة حقيقية لما يدعوا إليه ويقول، فإن لم يكن كذلك وعجز هو عن التطبيق والعمل بما علمه فلأن يعجز المتعلِّم ويعرض عن التطبيق أولى. بل إنّ المتعلِّم في الغالب يتّخذ من فِعل مربِّيه حجةً بجواز التساهل في الأمر أو صعوبة التطبيق على الوجه الأكمل، أو إستحالة ذلك. وإذاً فإن صلاح المربِّي وإستقامته ضرورية لنجاح التربية الإسلامية. وأهمّ الصفات ألتي يجب أن يتّصف بِها المسلمُ الداعية إلى الله هي:
(1) العِلم: يجب أن يكون عالما بما يدعوا إليه، فإن علم التوحيد ولوازمه وما يضاده من الشرك. يجب عليه أن يدعوَ المشركين إلى التوحيد ولو كان لا يعلم كثيراً من الاحكام الفرعية، وكذلك إذا علم الصلاة وأحكامها ونواقضها يجب عليه أن يُعَلِّمَ من لا يعرف ذلك من المسلمين ولو كان لا يعرف أحكام الزكاة أو الصيام، وعليه أن يسعى دائماً إلى رفع مستواه العلمى.
قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة:11].
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر :28].
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:9].
‌(2) التقوى: يجب أن يكون مخلصاً لله بعمله، متورعاً عن الشبهات، زاهداً عن الدنيا، لا تستهويه زخارفها، ولا تميل به عن الإستقامة على الطريق.
قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التو بة :123].
(3) الرحمة: يجب أن يكون رحيماً بمن معه من المؤمنين.
قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر:88].
وقال تعالى في صفة المؤمنين: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29].
قال تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 54].
قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران :159].
قال سيد قطب رحمه الله: "يجب على الداعية أن تتوفر فيه الطبيعة الخيرة الرحيمة الهينة اللينة المعدّة لأن تتجمع عليها القلوب، وتتألف حولها النفوس. فيجب أن يكون رحيما بمن معه، ليِّناً معهم. ولو كان فظا غليظ القلب ما تتألف حوله القلوب، ولا تتجمع حوله المشاعر. فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ودّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل هُمومهم، ولا يعنيهم بِهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء. وهكذا كان قلب الداعية العظيم محمد صلى الله عليه وسلم.
هكذا كانت حياته مع الناس، ما غضب لنفسه قط، ولا ضاق صدره بضعفهم البشريّ، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الدنيا، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبرّه وعطفه وودّه الكريم".
(4) الحلم والصبر: "يجب عليه أن يكون حليما صبوراً لا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر.
قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الاعراف199-200].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت 34 –35].
وقال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون:96].
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [طه: 130].

الثالث البعد عن المؤثرات الخارجية

(الثالث) البعد عن المؤثرات الخارجية:
أي أن لا يسمح للمتعلِّمين قراءة ودراسة العقائد والأفكار والمناهج المخالفة لما جاء به الإسلام، قبل إكتمال ونضوج العقيدة الإسلامية في نفوسهم. لأنّ هذه العقائد والأفكار الجاهلية معادية للإسلام وتتعمّد التشكيك في الاصول الإيمانية التي يقررها. وإذا كان الله تعالى لا يرضى للمسلم أن يتلقَّى حقائق العقيدة من الكتب السماوية المحرفة، فمن الجهل الظنّ بأنّه يرضى للمسلم أن يتلقَّى ذلك من الكتب البشرية الأرضية التي تحتوي من الكفر و النفاق ما لا يعلمه إلاّ الله. مع أنّ الجلوس في المجالس التي يكفر فيها بالله لا يجوز للمسلم.
كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الانعام 68].
وقال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء:140].

(4) ضرورة ميلاد الجماعة

( 4 ) ضرورة ميلاد الجماعة
إن جمع المسلمين وتوحيدهم كي يكوّنوا جماعةً متعاونة تسعى لتحقيق ألوهية الله في الأرض وإزالة الأنظمة البشرية، والطواغيت المطاعة الحاكمة بغير ما أنزل الله ليس نافلة من النوافل التي للإنسان فيها الخيار، وإنما هي فريضة دينية لها أهمية عظيمة في نظر الإسلام. وأهْميتها تظهر لك من وجوه كثيرة :
(الأول) إن الغاية التي لأجلها يسعى المسلم هي بلوغ رضى الله ودخول جنّته، وقد أنزل الله في كتايه صفات أهل الجنّة في الدنيا فقال: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى:36-39].
فذكرت الآيات صفات المؤمنين الذين سيدخلون الجنّة، ومن هذه الصفات:
(1) أن أمرهم شورى بينهم، فهم جماعة واحدة، لها أهداف ومصالح مشتركة فهي تصدر قراراتِها بعد الشورى وتبادل الآراء.
(2) إنّهم إذا اصابَهم البغي ينتصرون. فهم وحدةٌ واحدةٌ، قادرةٌ على الحركة لردّ الإعتداء في كل حين، لا يختلفون ولا يتفرّقون، لأنّ لها من يوجّهها ويأمرها فيُسمع ويطاع. فعلى المؤمن الحريص على دخول الجنّة والنجاة من النّار أن يكون عضواً في جماعةٍ لها تلك الصفات.
وقد جاء في الحديث: «يد الله مع الجماعة ومن شَذَّ شُذَّ في النّار» [الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: «وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملّة -يعني الأهواء- كلّها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة» [أحـمد وابن ماجه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «والجماعة رحمة والفرقة عذابٌ» [أحـمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: «فمن أراد منكم بحبحة الجنّة فليلزم الجماعة» [أحمد].
(الثانى) إن المسلم مأمورٌ بإقتفاء آثار رسل الله عليهم الصلاة والسلام في كل أمرٍ من أمور الحياة، لأنّهم كانوا على الصراط المستقيم. وقد كان من هديهم إتّخاذ الأنصار والأعوان من المؤمنين المستجيبين لدعوتِهم إلى الإسلام.
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 52].
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [الصف:14].
وقال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: 80].
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:62-63].
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ويطلب منهم أن ينصروه حتى يبلِّغ رسالة ربه. فلما أسلمت قبائل الأوس والخزرج سَمَّاهم (الأنصار) وأخذ منهم البيعة على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم. فمن كان مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم فعليه بِهذا السبيل الذي هو أن ينصر الحق بالطريقة التي نصره بِها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الإقتداء بِهديه صلى الله عليه وسلم لا يتمّ بإعفاء اللحي وترك الإسبال في اللباس والخشوع في الصلاة وغير ذلك من الأعمال الشّرعية التي يأتي بِها المسلم بمفرده. إن الإقتداء بِهديه صلى الله عليه وسلم لا يتمُّ حتى يسلك المسلم مسلكه صلى الله عليه وسلم في نصر الحق وإظهار دين الله على الأديان، وإن كان ذلك أمراً شاقّاً في ظاهره يحتاج إلى بذل النّفس والمال، فليس هو مخيّر في ذلك:
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا﴾ [الأحزاب:36].
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21].
فمن النفاق أن نتّخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الأمور السهلة اليسيرة ولا نتّخذه في الأمور الشاقّة العسيرة، كما أنّه من الجهل والعجز أن نقول: إنه صلى الله عليه وسلم أُسوتنا في كل شىء، ثم لا نَجتهد في فهم أهدافه وأحواله وهديه العملى في كل الشئون. وإليك بعض الأحاديث التي هي مما قالها عن نفسه صلى الله عليه وسلم:
«ألا إنّ ربِّي أمرني أن أُعلِّمَكُم ما جهلتم يومي هذا: كل مال نَحلْتُهُ عبداً حلالٌ. وإنِّي خلقتُ عبادى حنفاء كلّهم وإنّهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتْهم أن يشركوا بِي ما لم أنزل به سلطاناً.وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربَهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرؤه نائماً ويقظان، وإن الله أمرنى أن اُحرّق قريشاً.فقلت:رب إذاً يثلغوا رأسى فيدعوه خبزةً، قال إستخرجهم كما إستخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك.وابعث جيشاً نبعث خمسةً مثلُه، وقاتل بمن أطاعك من عصاك». [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «بُعثتُ بين يدي الساعة ليُعْبَدَ الله وحده، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجُعِل الذلّة والصغار على من خالف أمرى». [الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: «أنا نبيّ التوبة أنا نبيّ الملحمة» [أحـمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: «أنا الضّحوك القتال» [مجموعة الفتاوي].
وقال صلى الله عليه وسلم:{والّذي نَفسي بيده لوددتُ أني أُقتل في سبيل الله ثّم أحيا ثّم أقتل ثّم أحيا ثّم أقتل) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «والّذي نفسي بيده لأقاتلنَّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتى. ولينفذنّ الله أمره» [البخاري].
(الثالث) إن المسلم مأمور بجهاد الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله.
قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39].
وليس له أن يبخل بنفسه وماله، وإلاكان خارجا عن صفّ المؤمنين.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة:111].
وهذه الفريضة لا يقدر على أدائها إلاّ الجماعة المتّحدة الكلمة، التي تتلقَّى الأوامر من مصدر واحد. فالجهاد إذاً متوقّف على وجود الجماعة، فبناؤها يكون واجباً كذلك، لأنّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فمن كان صادقاًفي إيمانه بفريضة الجهاد في سبيل الله لا بدّ له من أن يؤمن بضرورة بناء الجماعة الإسلامية. وإلاّ كان كاذباً في إدعائه للإيمان بفريضة الجهاد في سبيل الله.ولقدكان عدد المسلمين العاملين في الجيوش الإسلامية التي كانت تعمل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ ثلاثين ألفاً لما نزلت ﴿إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ [التوبة:39].
فإذا كان القعود عن الجهاد لا يحلُّ للمسلم حتى وإن كانت للمسلمين قوةٌ ومنعةٌ، فكيف له أن يقعد عن تأييد المسلمين والإنضمام إلى جماعتهم في وقت لم يعد لديهم قوّة ومنعة وهم في أشدّ الحاجة إلى من ينصرهم ويقف إلى جنبهم، كما هو حال المسلمين الحقيقيين اليوم الذين يحاولون أن يكونوا مسلمين كما أراده الله لهم في ظلّ الحكومات الجاهلية المحاربة للإسلام. فليس لنا أن ننخدع بأقوال المحتالين المنافقين، الذين إعتادوا أن يقولوا نحن نؤمن بفريضة الجهاد ولا نؤمن بضرورة بناء جماعة إسلاميةً.ليس لنا أن ننخدع بِهذا لأنه ظاهر التناقض، ولايصدر إلاّ ممن هان عليه أمر دينه. ويردّ عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته وما هو معروف من التاريخ الإسلامي، الّذي لا يحفظ جهاداً إسلامياً ذا شأن تمّ بدون جماعة وقيادة إسلامية مطاعة.
إنَّ المسلمين جنود الله في التصور الإسلامي، ويقاتلون في سبيل الله. وإنَّ المشركين جنود الطاغوت ويقاتلون في سبيل الشيطان.
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].
فإذا تفرَّقت جنود الله وجنود الطاغوت مجتمعةٌ فلن يكون هناك قتال ودفعٌ للباطل، فيظل أهل الشرّ مسيطرين على رقاب العباد.
(الرابع) إن في كتاب الله قوانين دولية وإجتماعية كثيرة، وفيه حدود لايستطيع إقامتها الأفراد المتفرقون مالم يجتمعوا ويوحدوا كلمتهم ويكونوا جماعة إسلامية. فإن فعلوا ذلك وقُدِّرلهم السلطة والتمكين، فعندئذ يقدرون على إقامة تلك الحدود كما يريده الله.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج:41].
والمسلمون مأمورون بأن يحاولوا جهدهم المستطاع في تحسين أحوالهم، حتى يبلغوا درجة من القوّة يقدرون بِها على إقامة كتاب الله، وإلاّ كانوا كالذين نزلت فيهم الأية: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [المآئدة :68].
فالجماعة إذاً ضرورية لإقامة كتاب الله وتنفيذ الحدود والأحكام الكثيرة التي يحتويها.
(الخامس) إن الإنسان إذا أسلم وحسن إسلامُه تنقطع المودة والموالاة بينه وبين أقرب أقربآئه، بل إنّهم في أكثرالأحيان يعادونه ويحاولون أن يفتنوهُ عن دينه. فإن حدث ذلك يكن المسلم في حاجة إلى إخوة في الدِّين، يجد فيهم التوجيه والإرشاد والتثبيت، والتواصي بالحقّ، ويقاسمونه المشاكل والمتاعب التي تواجهه، والتي تنشأ عن الروابط والوسائل المنقطعة بسبب العقيدة. فإن وجد المسلم هذه الجماعة فإنه يكون في ملجأ ومأمن من كثير من الوساوس الشيطانية،التي تلاحق المسلم في أول إسلامه وهو يقاوم ضغط المجتمع الجاهلي، ويواجه المحن والشدائد بمفرده. فالجماعة إذاً ضرورية لصيانة الإنسان من وساوس الشيطان.
وقد جاء في الحديث: «فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد» [أحـمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [أبو داود].
(السادس) إن لدين الله أعداءً يتربّصون به ويجتهدون في محوه وإزالته من قلوب معتنقيه وعقولهم بالقوة والإغراءوالتعليم الفاسد، ولايتردّدون في قتل المئات والآلاف إذا سنحت لهم الفرصة.ويشهد لهذا القرآن والتاريخ.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [النساء:101].
وقال تعالى: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾ [التوبة:10].
وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة:217].
وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة:2].
وهذا الّذي تقرّره الآيات قد عُرف أنه الموقف الطبيعي الذي يحفظه التاريخ للكفار في كلّ بقعة تغلبوا على المسلمين فيها. فمذابح الصليبين في الأندلس والشام معروفة، وكذلك التتار وأفاعيلهم الوحشية في المشرق الإسلامي وعاصمة الخلافة الإسلامية مسجّلة في التاريخ. وبعد ذهاب سلطان المسلمين والخلافة الإسلامية لم تنته بعد الحروب الصليبية، ولا يزالون يطاردون المسلمين الحقيقيين بواسطة عملائهم الذين يتسمّون بأسماء المسلمين، الذين هم في الحقيقة قيادات رمزية خاضعة لنفوذ الصليبيين والصهيونيين الكفرة. فوجود الجماعة الإسلامية ضروريٌّ للدفاع عن الإسلام المهدّد ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال:73].
إذا عرفتَ أنّ ميلاد الجماعة الإسلامية في المجتمع الجاهلي ضرورية، فيجب أن تعرف على التحديد ما هي أهداف الجماعة الإسلامية؟.
إنّ الهدف الرئيسي للجماعة الإسلامية يجب أن يكون بلوغ رضى الله وجنّته والنجاة من سخطه وناره.
قال تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان:63-66].
وقال تعالى: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ﴾ [الشعراء:83-85].
ولكن الله تعالى أخبر أنّ هذا الهدف الرئيسي لايتحقق بالأماني والدعاوى، وإنما يتحقق بالعمل والسعي والجهاد حتى يكون الدين كلّه لله وأن الجنة لا يدخلها إلا من إشتراها من الله بنفسه وماله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ. رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ [آل عمران: 190-195].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:111].
وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142].
وقال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].
وقال تعالى: ﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبه:88-89].
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبه: 33].
فإذا كان هذا ما قرّره الله في محكم كتابه فلابد أن يكون من أهداف الجماعة الإسلامية إلغاء الجاهلية وإحلال الإسلام محلّها، وأن تكون وسيلتها في تحقيق هذا الهدف:
(1) البيَّان: أي الدعوة إلى الإسلام الحقيقي وتصحيح مفاهيم المنحرفين عنه.
(2) الحركة: أي بناء الجماعة الإسلامية التي يتمثل فيها منهج الله، والتي تكون أسوة وقدوة لغيرها في تطبيق الإسلام، وحَمل راية الجهاد في سبيل الله، والجهاد يحتاج إلى إعداد العدّة والقوّة من الرجال والسّلاح والمال.
كما قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60].
وليس البيّان وبناء الجماعة مرحلتين بينهما فترة زمنية وإنما هما عملان يتّمان في آن واحد، لأن أول من يستجيب للدعوة والبيان سيكون اللبنة الأولى لبناء التّجمع الإسلامي. وقد كانت الجماعة الإسلامية الأولى في وقت من الأوقات تتكوّن من النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر،وخديجة، وزيد ابن حارثة، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم. ثم إستمرّت الدعوة والبيان فأستجاب لها :عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف. فانضموا إلى الجماعة فأزداد عدد أفرادها. وهكذا كلّما استجاب للدعوة فردٌ أو أفرادٌ كانت الجماعة تنموا وتقوى ويكثر أنصارها ودعاتَها، وبالتالي يكبر تأثيرها في المجتمع الذي كان يأتي بردّ فعل عنيف غضباً لعقائده ونظامه العريق، ولكن ذلك لم يكن يزيد الدعوة إلاّ انتشاراً، والجماعة إلا قوةًّ، فكانت الجماعة الأولى كما قال الله تعالى: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح:29].
وهذا هوالطريق الصحيح لنشأة كلّ جَماعة إسلامية.
قال سيد قطب (رحمه الله): "يجب أن يعرف أصحاب هذا الدِّين جيداً أنه -كما إنه في ذاته دين ربانيٌّ- فإن منهجه في العمل منهج ربانيٌّ كذلك. متوافٍّ مع طبيعته، وإنه لا يُمكن فصل حقيقة هذا الدين عن منهجه في العمل" . [معالم في الطريق].

(5) المواصفات المطلوبة للجماعة

(5) المواصفات المطلوبة للجماعة
إن نيل المؤمنين رضي الله وجنّته وعدٌ صادقٍّ من الله، وإنتصار الحقّ على الباطل والإسلام على الجاهلية وعدٌ صادقٌ كذلك من الله. وهذه الوعود لا تتحقق حتى تتصف الجماعة بالصفات المبيِّنة في القرآن التي جعلها الله صفات المؤمنين، إنّها لا تتحقَّق لأنّ جَماعة من الناس قالوا: نحن مؤمنون دون أن يكون الإيمان حقيقة يعلمها الله من نياتهم وأعمالهم .
ومن هذه الصفات:

الأولى الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة بوعده

(الأولى ): (الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة بوعده)
يجب أن يكونوا مؤمنين بالله إيماناً حقيقياً بالنيّة والقولِ والعمل .
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾[النساء: 136].
يجب أن يعرفوا الله معرفةً صحيحةً، وأن يعتقدوا أنه هو (الملك الواحد القَهَارُ)، وأن ملوك الأرضِ وجبابرتِها وجَميع قُوَىْ الشرِّ والطغيانِ عبيدً تحتَ قهرةِ وسلطانهِ، وهو آخذٌ بنواصيهم:
قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر:4].
وقال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص: 65].
قال تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16]
وقال تعالى: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ [هود: 56].
إنّ المؤمنينَ أعلى سنداً وأعزُ جنداً من أعداّئهمْ لأنَّهُم جندٌمن جنود (اَلمَلِكِ الوَاحِدِ القَهَار).
قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الفتح: 7].
وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [المنافقون: 7].
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر:44].
وأعداؤهم أعداءُ الملكِ الواحدِ القهار، فهُم مغلوبون مقهورون ولا ينصرون.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴾ [المجادلة:20-21].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].
فلا يجوز أن يُقعدهم الخوف من أولياء الشيطان عن العمل لكتاب الله،بعد معرفة حقيقة الأمر والفارق الذي بينهم وبين أعدائهم.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].
والمؤمنون دخلوا المعركة ضدّ قوى الشرّ بأمرِ وتوجيه الملك الواحد القهار، فلا يجوز لهم الظنّ بأنّه سيتخلّى عنهم ويتركهم وحدهم يقاومون قوى الشرّ العالمية، ليس لهم أن يظنوا هذا الظنّ السُوء باللهِ، فهو أكرمُ وأرحمُ وأعدلُ من ذلك.
قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر:51].
وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 19].
قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].
وقال الله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 123].
وقد أ خبر اللهُ في كتابه أنه كان دائماً يُعزّ أولياءه ويذلّ أعداءه. فيجبُ الثقة بوعد الله لأنّهُ لا يُخلِف الميِعادِ.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [الرعد:31].
ويجب على المؤمنين أن يتوكّلوا على اللهِ:
قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة:23].
قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58].
قال أبوبكر الصديق  "من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد ماتَ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت".
وقال سعيد بن جبير: "التوكُّل جـماع الإيمان".
ويجب أن يعرفوا أنّهم سيزدادون معرفةً بالله كلّما إزدادوا طاعةً وخضوعاً لأوامره. وأن الله تعالى سيُعطيهم نوراً يكشف لهم الحقائق. فلا يضلّون في متاهات الشبِهات والشهوات.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ ﴾ [الحديد: 28].
وقال تعالى: ﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة :213].

الثانية التجمّع على آصرة العقيدة

(الثانية) (التجمع على آصرَةِ العقيدة)
يجب أن تكون الجماعة الإسلامية جماعةً عالميةً مفتوحةً لجميع أجناس البشر، على إختلاف الألوان واللّغات، لأنّ الله هو الّذي أراد أن يتجمّع المؤمنون على آصرة العقيدة، دون أواصر اللّون واللغة والقوم والقبيلة والحرفة. وقد فرّق الناس كلّهم إلى فرقتين هُما :أولياؤه وأعداؤه. أوحزب الله وحزب الشيطان.
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].
وقال تعالى: ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «وكونو عباد الله إخواناً» [مسـلم].
فدلّ الكتاب والسّنة على أن المؤمن أخٌ للمؤمن، وإن كان بعيد الدار والنَسبِ. وقد كانَ صلى الله عليه وسلم يُقاتل قريشاً قومه، وقتلَ منهم سبعين من أشرافهم وصناديدهم ببدرٍ، في وقتِ كانت الأنصارُ أحبّ الناس إليه. وقد قال عنهم: «لو سلك النّاسُ شعباً وسلكتِ الأنصارُ شعباً لسلكتُ شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت إمرءاً من الأنصار»} [البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: {الأنصارُ لا يُحبُّهم إلاّ مؤمن، ولا يُبغضهم إلاّ منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله} [البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الأنصارُ كرشي وعيبتي» [متفق عليه] أي: بطانتي وخاصتي.
وذلك لما كانوا عليه من حسن الإسلام ونصرةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم والوفاء بالعهود والصدق عند اللقاء. لم يكونوا أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم في عمود النّسب، ولكنّ الإيمان رفعهم إلى تلك المنْزلة العالية.
وكان بلال رضي الله عنه من خواص صحابتة، وكان رضي الله عنه عبداً حبشياً أعتقه أبوبكر رضي الله عنه بعد إسلامه.
وقال صلى الله عليه وسلم عن سلمان الفارسيّ: «سلمان مناّ أهل البيت» [الطبرانى والحاكم].
وكان صلى الله عليه وسلم يُحبُّ زيد بن حارثة وابنه أسامة. وكان من صحابته عمّار، وخباب وصهيب الروميّ. وهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم إرتفعت منْزلتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند المسلمين بسبب حسن إسلامهم وجهادهم، بعد أن كانوا في الجاهلية من العبيد والموالي.
لقد تعلّم المسلمون الأوائل من القرآنِ أن لا وزنَ لروابط القرابة والنسب إذا إنقطعت رابطة العقيدة، وأن الّذين تَجمعهم العقيدة في الله لا يفتقرون إلى قرابة النسب والمصاهرة كي يكونوا إخوةً. وإنّما هم إخوةٌ بالإيمان بالله وحده.
جاء في القرآن مثالٌ للأب المؤمن والإبن الكافر في قصة نوح عليه السلام الّذي أهلك الله ابنه مع الكفار.
قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود:45-46].
وجاء فيه مثالٌ للأب الكافر والابن المؤمن في قصة إبراهيم عليه السلام الّذي اعتزل أباه وقومه لما أصرّوا على الشرك.
قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا، يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا، يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا، قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم :41 –45].
وجاء فيه مثالٌ للرجل المسلم وزوجته الكافرة في قصة امرأة نوح وامرأة لوط.
قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10].
وجاء فيه مثال للمرأة المؤمنة والرجل الكافر في قصة "آسية" امرأة فرعون.
قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
وجاء فيه مثالٌ للشباب المؤمنين في البيئة الكافرة في فتية أصحاب الكهف:
قال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ﴾ [الكهف: 13-16].
وهذه القصص والأمثلة المتنوعة تدلُّ على أن الله لا يريد للبشر أن يتجمّعوا على آصرةٍ غير آصرة العقيدة، وأن المسلم لا يتّخذ أقرباءه من أهل الشرك إخوة في الدِّين، وأن الإختلاف في العقيدة تنشأ عنه براءة الأبّ من الإبن والإبن من الأب، وبرآءة الزوج من الزوجة والزوجة من الزوج. وهذه حكمةُ أحكم الحاكمين .
إن القيمة العليا في ميزان الله هي قيمة الإيمان، فيجبُ أن يكون التفضيل بين الأشخاص قائماً على أساس الإيمان والتقوي والعمل الصالح. ويجب أن يتحرّر المؤمنون من كل القيم الجاهلية التي كانوا يزنون الأشخاص والأحداث على أساسها في جاهليتهم.
إن الإنسان الجاهليّ يُعظِّم ويَحترم بعض الأشخاص لأنَّ لهم أموالاً كثيرة، أو لأنّهم من بني فلان، ويحتقر آخرين لأنّهم ينتسبون إلى أجدادٍ مجهولين، أو لأنّهم من ذوي الألوان السُود، أو الحمر، أو لأنّهم من الطبقات الفقيرة.
إن الإسلام لا يعرف هذه التفرقة الجاهلية، ولا يزنُ الأشخاص بِهذه الموازين والقيم الجاهلية.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم ﴾ [الحجرات: 13].
فالإنسان الكريم هو التقيّ في ميزان الله، وإن كان خالياً من كل هذه الإعتبارات الجاهلية، كما بيّنه الله تعالى وهو خير الفاصلين.
وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ص:27-28].
وقال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف :28].
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ، وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 52-53].
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ، وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾ [مريم:73-74].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة:212].
عن أبى هريرة  أن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم قال: «ربّ أشْعَثَ أَغبَرَ مَدفُوعٍ بالأبْوَابِ لَوْ أقسَمَ على الله لأبره» [مسلم].

الثالثة الأخوة في الله

(الثالثة) (الأخوة في الله ) :
إذا عرفتَ أن المؤمنين إخوةفي شرع الله. فاعلم أنّ هذه الأخوة أعلى قدراً من أخوة النسب كما يدلُّ قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ على أن الأخوة الحقيقية هي التي جعلها الله بين أوليائه المؤمنين..وأنّها محصورة فيهم ولا تتعدى إلى غيرهم. إن الأُخوة في الله تتحقّق مع تباعد الناس في النسب، فيتولّى المؤمنون بعضهم بعضاً.
قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71].
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة:55-56].
أما "أُخوة النسب" فمفتقرة إلى "الأخوة في الله" فإن إنعدمت "الأخوة في الله" لاتنفع "أُخوة النسب"وحدها،ولا تجعل المؤمن ولياً لأخيه في النسب إذا كان كافراً.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23].
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 144]
فليس بين المؤمن وبين قريبه ونسيبه الكافر مودة وموالاة، وإن بقيت المصاحبة بالمعروف وصلة الرحم عندما لا يقاتلونه في الدّين ولايجهرون بطعن الإسلام ... فدلّ ذلك على أن الأخوة في الله أعلى قدراً من أُخوة النسب والقرابة.
وينبغي أن نعرف أن الله لا يريد منا أن نقول "نحن إخوة في الله" قولاً دون أن تتجلَّى الأخوة في سلوكنا وعلاقاتنا والتعامل الّذي بيننا .. إن الله لا يريد منا ذّلك.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2-3].
إنّ الله يريد منا أن نراعي حقوق الأخوة مراعاةً كاملةً هذه الحقوق المبيّنة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.يريد منّا أن نكون كالجسد الواحد في التعاطف والتراحم.
قال تعالى: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح:29].
وقال تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة:54]
وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمى» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعصاُ. وشبك بين أصابعه» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لايؤمن أحدكم حتي يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله. كلّ المسلم على المسلم حرامٌ عرضه وماله ودمه. التقوى ها هنا، بحسب إمرئٍ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم» [الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولاتناجشوا، ولا تباغضوا، ولاتدابروا، ولايبع بعضكم على بيع بعض.وكونو عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله. التَّقوى ها هنا. ويشير إلى صدره ثلاث مرّات، بحسب إمرىءٍ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» فقال رجلٌ يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أرأيت إذا كان ظالماً، كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره» [البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: «حق المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيته فسلم عليه، إذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمتّه، وإذا مرضَ فعُده، وإذا مات فاتبعه» [مسلم].
وكان لتوجيهات القرآن وتوجيهات النبيّ صلى الله عليه وسلم أثرٌ كبير في غرس شعور "الأخوة في الله" في قلوب الجماعة المسلمة الأولى فكانوا كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9]
وينبغي أن نعرف كذلك أن التآخي والتحابي والتآلف الّذي بين المؤمنين إنما جاء من عند الله، وهو الّذي ألّف بين قلوبِهم كما قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾ [الأنفال:63].
فإذا زال الإيمان من القلوب، وعمل الناس بِخلاف كتاب الله ونسوا حظاً منه، فسيزول تبعاً لذلك التآلف والتآخى والتحابى، وسيحلّ محلَّه التباغض والتحاسد والعداء. وهذه سنة إلهية قد تحقّقت فيمن قبلنا من أهل الكتب
قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة :14].
وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصى نَهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم مع أنّهم لم يرجعوا عن ضلالهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً فقال: لا والّذي نفسى بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عباد الله،لتسوُّنَ صفوفكم أوليخالفن الله بين قلوبكم» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدوٍ لاتقام فيهم الصلاة إلاقد إستحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [أبوداود].
وتحقّقت هذه السنة كذلك في المسلمين لما نسوا حظاً من كتاب الله، وأتبعوا سنن اليهود والنصارى، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، فاختلفوا وتفرّقوا وضعفوا كثيراً عن ردّ هجمات الأعداء. وهم الذين كانوا سادة العالم، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربِها، يوم أن كانوا مؤمنين حقيقيين متآخين في الله إلى أن سقطت (بغداد) في يدّ المغول (التتار)، وكانت عاصمة الخلافة الإسلامية في سنة656ﻫ، وكان ما كان من القتل والإبادة الوحشية التي لم يعرف لها مثيل. وكذلك سقطت الأندلس والشام في قبضة الصليبيين، فوقع شبه ما وقع في بغداد من القتل والإبادة والتشريد.
ثم كان المسلمون ينتصرون كلما عادوا إلى الله وإلى العمل بكتابه، كما كان الحال في الشام ومصر في أيام صلاح الدين يوسف، ونور الدين محمود. وبعدهم أيام دولة المماليك، بفضل جهود العلماء الصلحاء "كالعزّ بن عبد السلام، وشيخ الإسلام ابن تيمية" وغيرهم .
وقد بلغ الضعف والبعد عن كتاب الله منتهاه في القرون الأخيرة. وتنكّر الكثيرون لدينهم وقلّدوا الغربيين. واستمدوا منهم النظم والشرائع ومبادىء العمران والمدنية فصاروا غثاء كغثاء السيل .. فأذلهم الله وأهانهم .. وأصبحوا اليوم يعرفون (بالعالم المتخلف) أو (العالم الثالث) بعيدين عن عزّ الدنيا والآخرة.

الرابعة الطاعة للقيادة

(الرابعة) الطاعة للقيادة
تقوم النظرية الإسلامية للحكم والسياسة على القواعد الأتية:
(أ) إن الله تعالى هو الملك الحقيقى لهذا الكون، وهو مصدر الحكم والتشريع للمجتمع الإسلامي الّذي رضى بالله ملكاً وربّاً، وكفر بملوك وأرباب الأرض. وكلّ ما يصدر من الله من الأوامر والنواهي يجب أن يمتثل به المسلمون وينفذوهُ وهذا الأمتثال والتنفيذ هو العبادة المطلوبة وهو معنى (لا إله إلا الله).
قال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].
(ب) إن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم ليطيعه الناس في كل ما يبلغهم عن الله من كتاب وحكمة.فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله. وهذا هو معنى (محمد رسول الله).
قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الشعراء: 110].
قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء:64].
وقال تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء:80].
وقال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
(ج) وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون للمسلمين أميرٌ أو خليفةًٌ يحملُ الناس على طاعة الله ورسوله، ويختاره المسلمون من بينهم .. وتكون طاعته واجبة ومن طاعة الله ورسوله، عندما يكون هو منقادا لكل ما ثبت عن الله ورسوله بنصٍ صريح.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن العاصي للأمير المسلم يكون عاصياً لله ورسوله وعليه إثم عظيم. فقد جاء في الأحاديث الثابتة:
«من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولاحجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌ كأن رأسه زبيبة» [البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من فارق الجماعة شبراً فقد خلع الإسلام من عنقه» [أبوداود].
والأمير المسلم ليس بمعصوم، فإن أَمر بمعصية لايحلُّ للمسلم أن يطيعه فيها، وقد جاء في الحديث: «إنما الطاعة في المعروف». [متفق عليه].
والحديث: {على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبَّ وكره، إلا أن يؤمر بِمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة} [متفق عليه].
ولكن لا يجوز للمسلم أن يخلع يده من الطاعة والبيعة إلا إذا رأى كفراً بواحاً. كما جاء في الحديث: «إلا أن تروا كفراً بواحا عندكم من الله برهان» [متفق عليه].
قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه لما اختاره المسلمون لمنصب الخلافة: «أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم»
(د) وإذا تنازع الأمير وغيره في أمر قد بين حكمه في نصّ صحيح صريح، يجب الأخذ بالقول الموافق للنصّ، ويجب على الأمير أن يرجع إلى هذا القول إن لم يكن قوله.
كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]
أما إن لم يكن لهذا الأمر المختلف فيه نصٌ صريح، أو اختُلِفَ في فهم النصّ الوارد فيه. أو كان الإختلاف فيه قديماً بين فقهاء المسلمين. فكل هذه الحالات الإجتهادية.
للأمير أن يحمل الناس على رأى واحد يختاره بعد إستشارة أهل العلم. وهذا إذا كان الإختلاف في الأمر المعين مما يفرِّق وحدة المسلمين وإتّفاق كلمتهم.
كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أكره الخلاف أو كلمة نحوها. لما صلَّى خلف عثمان رضي الله عنه أربع ركعات. وكان رأيه أن تصلّى ركعتين. وكان عثمان أمير المؤمنين يومئذ.
كان عمر رضي الله عنه يطيع أبابكر في أمور يخالفه فيها في الرأي .. كتسوية المسلمين في العطاء، وكان عمر يرى تفضيل السابقين في العطاء. وكتأمير خالد بن الوليد في الحروب، وكان عمر يرى عزله عن القيادة. ثم عمل برأيه في خلافته. ولم يخالفه المسلمون كما لم يخالفوا أبابكر من قبل، لأن كليهما كان مجتهداً. مأجوراً على كل حال كما جاء في الحديث: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجرٌ» [متفق عليه].
وهذه هي أهمّ القواعد التي تقوم عليها النظرية الإسلامية للحكم والسياسية، وهي تخالف مخالفة أساسية كل النظريات الجاهلية للحكم والسياسية والتشريع،التي تعطي البشر حقّ التشريع للعباد، وتَجعله مصدر السلطات، أي تَجعل البشر آلهةً "وأرباباً" من دون الله.
والمسلم المحافظ لدينه ليس أمامه مجال للتفاهم والإصطلاح مع الجاهلية الحديثة، سواء ادّعوا الإسلام أو لم يدّعوه. وليس أمامه إلا السعي والعمل في تكوين الجماعة المسلمة التي تعتبر الخطوة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي الكبير القائم على الأصول التي قرّرها الله ورسوله.
والجماعة الإسلامية الناشئة تعتبر صورة مصغرة للمجتمع الكبير. فيجب أن يكون واقعها ترجمة صحيحة للإسلام عقيدةً وخلقاً وسلوكاً. ويجب أن يكون مفهوماً لديها أنّها لا تستحق من الله العون والتاييد والنصر حتى تخلص عملها لله وتتجرّد له، وحتى تتخلص من النفاق في الإعتقاد والعمل، وحتى تحبّ من تحبّه لله، وتبغض من تبغضه لله. وحتى تطيع قيادتَها طاعةً صحيحة لا إكراماً لشخصٍ، ولكن إبتغاء وجه الله وطاعة لله ولرسوله. ويجب أن تختار لقيادتَها الّذين يعرفون قدرها.. ويعرفون أنّها أمانة، وأنّها يوم القيامة خزىٌ وندامة كما في الحديث «إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة» [البخاري].
فلا يقوم لهذا الأمر إلا الذّين لهم هذه المعرفة، وهذه الخشية من محاسبة الله. فيهابون حَملها ويودّون أن غيرهم كفاهم. كما جاء في الحديث: «تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا .. وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم كراهية له. وتجدون شرّ الناس ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» [متفق عليه].
ويجب أن لا يختاروا للولاية والقيادة أحداً سألها، أو حرص عليها.. كما جاء في الحديث «إنا والله لا نولّي هذّا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرص عليه» [متفق عليه].
لأن هذا السؤال وهذا الحرص دليل على قلّة معرفته بحقيقة الأمر وخطورته، والمسئوليات التي يضعها على عاتقه.. والتي يكون وراءها السؤال والحساب الإلَهي الدقيق.
وفي الحديث: «قال أبوذر :قلت: يا رسول الله ألا تستعملني، فضرب بيده على منكبي. ثم قال: يا أباذر، إنك ضعيف، وإنّها أمانة وإنّها يوم القيامة خزى وندامة، إلاّ من أخذها بحقّها وأدّى الّذي عليه فيها» [مسلم].
وفي الحديث «يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل ألإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وُكلتَ إليها» [متفق عليه].

الخامسة الجهاد في سبيل الله

(الخامسة): الجهاد في سبيل الله
إن الله تعالى أوجب الجهاد في سبيل الله على عبادة المؤمنين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدّين كله لله. ومعنى الجهاد: هو بذل الجهد المستطاع في سبيل هذه الغاية. وكل ما يبذله المسلم من جهود وأعمال لإعلاء كلمة الله ولإظهار دينه على الأديان تعتبر من "الجهاد في سبيل الله" في ميزان الإسلام. ويجب أن تكون نيّة الجهاد صادقة عند المسلمين، وأن يبذل كل منهم ما في وسعه، كي تكون كلمة الله هي العليا .. لينال رضى الله وجنته. وقد مرّ الجهاد الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بمراحل مختلفة لا بدّ من معرفتها:

المرحلة الأولى:
وهي الجهاد بالحجة والبيان: أي دعوة أهل الشرك إلى الإسلام وإلى شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإسماعهم القرآن الّذي كان يُبيِّنُ لهم عقائدهم وأعمالهم الشركية الفاسدة .. ويريهم ما في هذه العقائد والأعمال من كفر بأنعم الله. وكانت هذه الدعوة شديدة عليهم، ولذلك كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكان الله يأمر نبيه بأن يستمرّ في جهاده .
قال تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان :52].
وكان من الجهاد الّذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة تربية الأفراد الذين استجابوا للإسلام، وآمنوا به، وتزكية عقائدهم ومشاعرهم وسلوكهم وإعدادهم لحمل الأمانة وتبليغ الرسالة ..وكانت (دار الأرقم) المركز الّذي كانوا يجتمعون به. وقد كان الذين ربّاهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة دعاة الإسلام وقادة المسلمين فيما بعد، وهم الذين أقاموا دين الله في صورة نظام عالميّ، وكان منهم أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، ومصعب بن عمير، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار، وبلال، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو حذيفة بن عتبة، وغيرهم. وكان الجهاد باليد في هذه المرحلة محرّماً لحكمةٍ يعلمها الله.
وكان المؤمنون مأمورين بالصبر على أذى المشركين، والإعراض عن الجاهلين.
قال الله تعالى: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾ [النساء:77].
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: 4].
وقال الله تعالى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 89].
وقال الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف :199-200].
وقال الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان: 63].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72].
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص:55].
المرحلة الثانية
وهي الجهاد بالسيف والسنان: وقد مرّ بأدوار ثلاثة:
(الدور الأول) وكان مأذوناً فيه، ولم يكن واجباً، وذلك لما نزلت الآيه:
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج:39-41].
وبعد نزول هذا الإذن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سراياه ليقطعوا طرق التجارة على قريش، التي ظلمت المسلمين وأخرجتهم من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا "ربنا الله" حتى قتلت السّرية التي قادها "عبد الله بن جحش" "عمروبن الحضرميّ" في آخر شهر رجب من السنة الثانية للهجرة. ثم كانت غزوة "بدر الكبرى" في رمضان من هذه السنة، والتي إنتصر فيها المسلمون إنتصاراً حاسماً على أعدائهم المشركين.
(الدور الثانِي) فرض الجهاد بالسيف على المسلمين ضدَّ الذين يقاتلونهم من المشركين دون الذين لا يقاتلونهم.
قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 19].
(الدور الثالث) فرض على المسلمين جهاد المشركين كافة، حتى لا تكون فتنة في الأرض، وأن يبدؤا بمن يلونَهم ثم الذين يلونَهم. وهذا هو الحكم النهائي لأحكام الجهاد الّذي نزلت به سورة "براءة".
قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 123].
وهذا هو الحكم الأخير الّذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته .. وسار عليه الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم من أمراء المسلمين في جَميع عصور القوة، قبل الضعف التدريجي الّذي أصاب المسلمين بفعل ذنوبِهم.
وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دانت له الجزيرة العربية كلها، وأسلمت قبائل العرب. وصار للمسلمين قوّة عظيمة تستعدّ لقتال الروم والفرس، الذين أبوا أن يستجيبوا للدعوة الإسلامية .. ولما وَلِيَ أبوبكر الخلافة إشتغل بحروب أهل الردّة في السنة الأولى من خلافته.
ثم بعد الإنتصار في هذه الحروب، وجَّه الجيوش إلى تُخوم الفرس والروم. ففتح المسلمون العراق، ودخلوا عاصمتها الحيرة بقيادة خالد بن الوليد. وتوفّي أبوبكر رضي الله عنه وقد بدأت الحروب في الشام بين المسلمين والروم، وانتصر المسلمون في معركة يرموك.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنتصر المسلمون في معارك كثيرة أهمها "القادسية" بقيادة سعد بن أبى وقاص، وعلى أثرها سقطت "المدائن" عاصمة الفرس وفرّ ملك الفرس. ثم إستولى المسلمون خراسان، وأذربيجان، وأرمينيا، وجميع أراضي إيران.
وكذلك استولى المسلمون على الشام كلها، وفتحوا مصر بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه. وفي خلافة عثمان رضي الله عنه إستولى المسلمون على "جزيرة قبرص" بقيادة معاوية بن أبى سفيان، وأنتصر المسلمون على الروم في معركة بحرية عظيمة سميت بـ"ذات الصوارى". وكذلك هزم المسلمون جموع البربر في شمال أفريقيا، وقتل ملكهم "جرجير".
ولم يكن المسلمون في حروبهم يقبلون من الكفار إلا واحدة من ثلاث:
(الأولى) الإسلام، فإن أبوا عرضوا عليهم
(الثانيـة) الجـزية، فإن أبوا إستعانوا بالله وكانت
(الثالثـة) القـتال.
وكان المسلمون غالباً ينتصرون على أعدائهم، حتى أصبحت "الدولة الإسلامية" أقوى دولة في العالم. ومن لم يخضع لها لِبُعْدِهِ عنها كان على وَجَلٍ منها .. وقد دخل الإسلام في قرنه الأول الهجري بلاد الهند. وأصبحت بلاد ما وراء النهر -وهي من أراضي السوفيت- اليوم جزءاً من العالم الإسلامي. وأصبحت مدن "البخاري" و"سمرقند" من مراكز الحضارة الإسلامية.
وكذلك دخلت "الأندلس" في طاعة الدولة الإسلامية في هذا القرن، وأصبحت فيما بعد من أهمّ المراكز العلمية والحضارية للعالم الإسلامي .. وبقيت كذلك ثمانمائة سنة حتى سقطت غرناطة 898هـ في أيدي الصليبيين الإسبان. في زمن الضعف والتفرّق.
والقرآن الكريم يُبْرِزُ أَهْمية فريضة الجهاد في سور وآيات كثيرة، فيها تحريض للمؤمنين ليؤدوا هذه الفريضة، التي لا ينالون عزّ الدنيا والآخرة إلا بقيامها.
قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة :216].
وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: 39].
وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:29-33].
وقال تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ، وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ، الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 74-76].
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة :251].
وكذلك كثُرتْ الأحاديث التي تحضّ على الجهاد وتُبيِّنُ فضله:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور». [متفق عليه].
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي العمل أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها». قلت ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». [متفق عليه].
وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ إلى رسو ل الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله»، قال: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله، ويدع الناس من شرّه» [متفق عليه].
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» [متفق عليه].
وعن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهرٍ وقيامه. وإن مات فيه أُجْرِيَ عليه عمله الّذي كان يعمل، و أُجْرِيَ عليه رزقه، وأمن الفتان» [مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يارسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: «لا تستطيعونه»، فأعادوا عليه مرّتين أوثلاث، كل ذلك يقول لا تستطيعونه. ثم قال: «مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولاصيام» [متفق عليه].
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مكلومٍ يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى: اللّون لون دمٍ والريح ريح مسك» [متفق عليه].
وعن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا» [متفق عليه].
وعن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسّه النار» [البخاري].
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» [مسلم].
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شىء إلا الشهيد، يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرّات، لما يرى من الكرامة».
وفي رواية: «لما يرى من فضل الشهادة» [متفق عليه].
وعن عروة البارقى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم» [متفق عليه].
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من إحتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده،فإن شبعه، وريّه، وروثه، وبوله، في ميزانه يوم القيامة» [البخاري].
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علم الرمي ثم تركه فليس مني، أو فقد عصى» [مسلم].
وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة، ألا إنَّ القوّة الرمي، ألا إنّ القوّة الرمي، ألا إنّ القوّة الرمي» [مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ في الجنة مائة درجة، أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» [البخاري].
وقد بَيّن القرآن كذلك ما للشهيد عند الله من فضل وكرامة. والشهيد هو المسلم المقتول في سبيل الله .. بأيدي الكفرة والمشركين. وقد أخبر الله أن الشهداء أحياء. وأنّهم قد نالوا الغاية التي لأجلها أسلموا وجاهدوا، وهي رضى الله والجنة.
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 154].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران 169-171].
وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 4-7].
وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ، وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 157-158].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 139-142].
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قُتلت؟ قال: «في الجنة، فألقى تمرات كنّ في يديه، ثم قاتل حتى قُتِلَ». [مسلم].
وفي حديث أنس رضي الله عنه المتقدّم «أنّ الشهيد يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرّات، لما يرى من فضل الشهادة» [متفق عليه].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر الله للشهيد كلّ ذنب إلا الدَّين» [مسلم].
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه» [مسلم].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلاّ كانوا قد تعجّلوا ثلثي أجورهم. وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلاّ تَمّ لهم أجورهم» [مسلم].

السادسة الإنفاق في سبيل الله

( السادسة) الإنفاق في سبيل الله
إنّ الله تعالى يأمر المؤمنين بالإنفاق والبذل من أموالهم. ووصفهم بصفة الإنفاق.
قال تعالى: ﴿ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: 267].
وقال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة:3].
ووجوه الإنفاق كثيرة، منها:
(أ) الزكاة:
وهي مال معين يجب على المسلم أن يؤديه من ماله إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. والزكاة ركن من أركان الإسلام، قرنَها الله بالصلاة والتوحيد ..ولا يعدّ الممتنع من أدائها مسلماً.
قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة:11].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].
والزكاة تدفع إلى إمام المسلمين. وليس لأحد أن يتصرَّف في زكاة ماله ويعطيها لمن يشاء إذا كان للمسلمين إمامٌ. وكانت الزكاة تجمع في بداية السنة (المحرّم) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ب - الإنفاق في سبيل الله
وهو ما ينفقه المسلم بنية الجهاد في سبيل الله، وليس له مقدار معيّن، وإنّما ينفقه بحسب قدرته، وهو يقّدر الظروف المحيطة بالمسلمين، فرُبَّما رأى أن الأمر يحتاج منه إلى أن يبذل ماله كله كما فعل أبوبكر رضي الله عنه في غزوة تبوك.
والمؤمن الّذي رضي بأن يبذل نفسه في سبيل الله لا يكون بذل المال عليه شديداً. وإنما يبخل بالمال من بخل بالنفسِ قبل ذلك. ولذا فإن الإنفاق في سبيل الله من أهمّ ما يميّز المؤمن من المنافق.
قال تعالى: ﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ، إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبه: 44-45].
وقد أمر الله بالجهاد بالمال مع النفس في مواضع من القرآن
قال تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة :41].
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10-11].
قال تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة :261].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة :34-35].
وقد سمّى الله المال المنفق في سبيله بالقرض. وكأن الله إستقرض من المؤمن ماله ليوفيه حقّه مضاعفاً يوم القيامة.. وذلك كي يطمئنّ المنفق، لأن الله لا يخلف الميعاد، وله خزائن السموات والأرض وله الأولى والآخرة.
قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد :11].
وقال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة:245].
وقال تعالى: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن: 17].
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يستجيبون لدعوة الله إلى الإنفاق .. وكانوا يأتون بالمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضعه حيث يرى أن المصلحة فيه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحبّ أمواله إليه "بيرحاء"، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب.
قال أنس فلما نزلت قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
قال أبو طلحة يارسول الله إن الله يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وأن أحبّ أموالي إليّ "بيرحاء" وإنّها صدقة لله، أرجوا برّها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ، بخ، ذاك مالٌ رابحٌ ذاك مالٌ رابحٌ وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة أفعل يارسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه» [متفق عليه].
قال عبد الله بن عمر: حضرتني هذه الآية ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ "فذكرتُ ما أعطاني الله، فلم أجد شيئاءً أحبّ إليّ من جارية لي رومية، فقلت هي حرّة لوجه الله. فلو أنِّي أعود في شيء جعلته لله لنكحتها" [أبو بكر البزار].
وفي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسو الله لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر، فما تأمرني به. قال: "إحبس الأصل وسبّل التمرة"
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لما نزلت هذه الأية ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ قال أبو الدحداح الأنصاري: يارسول الله، وأن الله ليريد منّا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرنِي يدك يارسول الله، قال: فناوله يده. قال: فإني أقرضت ربي حائطي. وله حائط فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها. قال: فجاء أبو الدحداح فناداها يا أم الدحداح! قالت: لبيك!. قال: أخرجى فقد أقرضته ربى عز وجل.
وفي رواية: أنّها قالت له :ربح بيعك يا أبا الدحداح. ونقلت منه متاعها وصبيانَها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كم من عذق ردّاح في الجنة لأبِي الدحداح» [ابن أبى حاتم].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة، فقال هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لك بِها يوم القيامة سبعُ مائة ناقة كلها مخطومة» [مسلم].
وعنه أيضاً: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة، فينطلق أحدنا فيحامل، فيجيء بالمدّ، وإن لبعضهم اليوم مائة ألف» [البخاري وأحـمد].
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق فوافق ذلك مالاً عندي. قلت: اليوم أسبق أبابكر -إن سبقته يوماً- فجئتُ بنصف مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيتَ لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبوبكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر ما أبقيتَ لأهلك؟ قال: أبقيتُ لهم الله ورسوله. فقلت لا أسبقه في شىء أبداً» [أبو داود والترمذي].
عن عثمان رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز جيش العسرة فله الجنة. فجهزه عثمان. وقال: من حفر بئر رومة وله الجنة. فحفره عثمان» [البخاري].
وعن عبد الرحمن بن خباب قال شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَحثُّ على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابِها في سبيل الله. ثم حضّ على الجيش، فقال عثمان: عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابِها في سبيل الله. ثم حض على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابِها في سبيل الله. فنَزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «ما على عثمان ما عمل بعد هذه شىءٌ» [الترمذي].
وعن أنس وعبد الرحمن بن سمرة رضى الله عنهما أن عثمان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلِّبُها ويقول: «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم» مرّتين. [الترمذي والحاكم].
وعند ما يكون الجهاد في مرحلته الأولى حيث لا وجود للدولة وبيت المال والغنائم، فإن إنفاق المسلم لماله من أفضل القربات عند الله.
قال تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد:10].
وفي الحديث الصحيح: «لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه».
(ج) الإنفاق على ذوى القربى والمساكين واليتامى وإبن السبيل.
وهذا أيضاً من وجوه الإنفاق المأمور به.
قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة :215].
قال تعالى: ﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة: 177].
وفي الحديث: «لاحسد إلا في إثنتين، رجلٌ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بِها ويُعلِّمُها» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينْزلان، فيقول أحدهما:اللّهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللّهم أعط ممسكاً تلفاً» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما نقصتْ صدقةٌ من مالٍ. وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً. وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله عزّ وجلّ» [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ..وقليلٌ ماهم» [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «شرّ ما في المرء شحٌّ هالعٌ وجبنٌ خالعٌ»
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «ما سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «للسائل حقٌّ وإن جاء على فرس». [أبو داود/ مسند أحمد/ البيهقيّ/ ابن أبي شيبة/ ابن خزيمة].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «وأعوذ بك من الجبن والبخل» [البخاري ومسلم].
أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: ما عندي ما أعطيك، ولكن إئت فلاناً، فأتى الرجل فأعطاه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من دلّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله» [رواه مسلم وغيره واللفظ لأحمد].
ومن هذه النصوص الصحيحة تعلم أنّ الكرم والسخاء من صفات المؤمنين الصادقين، وأنّ الشحّ والبخل من صفات الكافرين والمنافقين.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا، وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ، وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 37-40].

(6) سنن ثابتة

(6) ســنن ثابتة
كما أنّ هناك سنناً إلهية كونية لا تتخلّف وتجري بمشيئة الله, مثل: إختلاف الليل والنهار، وإخراج الحيّ من الميّت، وإخراج الميّت من الحيّ، ودورة الكواكب والنجوم في أفلاكها، ونزول القمر في منازله، وتعاقب الأجيال، واستمرار الحياة بولادة الذكور وا‎‎لاٍناث. فهناك أيضاً سنن إلهية اجتماعية لا تتخلّف، وتجرى في حياة الناس بمشيئة الله. ومن هذه السنن:

(أ) وجود الإيمان

(أ) وجود الإيمان :
الإيمانُ هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها كما قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم : 30].
وكما قال صلى الله عليه وسلم: «كلّ مولودٍ يولد على الفطرة». [متفق عليه].
وقد خلق الله آدم عليه السلام وزوجته مؤمنين, بل إنّ آدم عليه السلام كان نبياً من أنبياء الله، ولما أسكنه الله الأرض وعده بأنه سينْزل (الهدى) إلى ذرّيته.
قال تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة :38].
وقد وفي الله بعهده، وكان يرسل رسله كلّما كادت معالم الحقّ أن تنطمس.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ [المؤمنون: 44].
وكان آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله إلى البشرية كافةً بعد أن تغيَّرتْ الكتب السابقة كالتوراة والانجيل بما أصابِها من التحريف. وأصبحت غير قابلة للاهتداء بِها. وكان الناسُ في ذلك الوقت في غاية الضلال والجهل. إلاّ بقايا من أهل الكتاب. وقد أنزل الله عليه القرآن, ووعد بحفظه من التبديل والتحريف.
قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن وجود أهل الحق من المؤمنين سيكون مستمراً إلى قُبيل قيام السّاعة.
فقد جاء في الحديث: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض الله الله» [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق، وهم شرّ أهل الجاهلية» [الحاكم].
فاذا عرفت أن وجود الإيمان "سنة ثابتة" فإنك ستعرف أن جَميع الجهود الجبّارة ألتي تبذل لإزالة الإيمان والإسلام من الوجود سوف تبوء بالفشل والخيبة.

(ب) وجود الكفر

(ب) وجود الكفر :
لما سجد الملائكة كلّهم لآدم عليه السلام. امتثالاً لأمر الله أبى إبليس أن يكون مع الساجدين، فصار بِهذا الاٍباء والاستكبار كافراً عدو الله، ولكنّه سأل الله أن يمهله إلى قيام الساعة. فأعطاه الله ما سأله، فقال عندئذ: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر : 39-40].
وقال تعالى: ﴿لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 118].
وقال تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء: 62].
وقد وقع ما ظنّه إبليس. فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: 20].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يـس : 62].
وليس للمؤمن إذاً أن يستغرب وجود "الكفار" وغلبتهم الظاهرة في بعض الأجيال. فهذه "سنة" تجري بمشيئة الله وعلمه، وإنّما عليه أن يتلقَّى من الله الموقف الذي يقفه منهم، وطريقة تعامله معهم .
وقد أخبرنا الله أنّه قادرٌ على الإنتصار عليهم، ولكنّه يريد أن يَختبر إيمان الذين قالوا "آمنّا". ففرض عليهم دخول المعركة لملاقاة جحافل الشيطان.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [محمد :4].
وقال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76].

(ج) تعاقب الإسلام والجاهلية

( ج ) تعاقب الإسلام والجاهلية :
إنّ عمل الشيطان هو إضلال الناس عن صراط الله المستقيم تدريجيا، فهو في حياة الأنبياء ونزول الوحى، أضعف ما يكون. ولا يجد ألى قلوب المؤمنين سبيلا. ويعجز عن تزيين الكفر والشرك والعصيان لهم، فيكون مغلوبا في هذه الفترة.
ويكون أولياؤه كذلك مغلوبين في ميادين المعركة،غير قادرين على كسر جيوش الإيمان. ولكنه كلّما طال الأمد عليهم، بعد غيبة الأنبياء وقلّة العلماء، استطاع أن يستميل بعضهم ويخرجهم عن الصراط، أولاً بالمعاصي والفواحش. ثم باستحلال المعاصي واستحلال مخالفة الكتاب، ثم يزدادون مع مرور الزمن حتى تكون لهم الغلبة الظاهرة والكلمة النافذة، فيكون أهل الإيمان مغلوبين على أمرهم، ويكونون قلّة تحت سلطان الكفر والجاهلية. وكان الله الرحيم يُرسل رسله بعد ذلك ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور. فيستجيب لدعوتِهم الناس فيقوي جانب الإيمان، فتكون الكرّة للمؤمنين على أعدائهم،فيتضاءل الشيطان وتقلّ جنوده. إن لم يكونوا مهلكين بعذاب من الله استأصلهم. وهذا التعاقب بين الإسلام والجاهلية "سنة" لا تتخلف. ولا تكون حياة أي مجتمع بشريّ خارجة عن احدى هاتين الحالتين.
لقد سارت الحياة البشرية في طريقها بعد آدم عليه السلام مهتدية عدّة قرون لا يعلمها إلاّ الله، ثم وقع الانتكاس والوقوع في الكفر والشرك والجاهلية، فارسل الله نوحاً عليه السلام، يدعوهم إلى العودة إلى الإسلام الأول الّذي كان قبل هذه الجاهلية.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [سورة العنكبوت: 14].
فانتهي أمر الجاهلية واستخلف الله المؤمنين في الأرض بعد أن أنجاهم من الطوفان ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت :15].
وبعد ذلك كثُر المؤمنون، وعمروا الأرض، وأصبحوا أُمماً وقبائل، ثم وقعوا في الجاهلية والخروج عن صراط الله مرّة أخرى. ولم يقصص الله تعالى علينا كل أخبار الأمم، وكّل الرّسل، لأنّ قصصهم مع أقوامهم متشابِهة.فقصّ علينا طرفاً من ذلك. وسكت عن الآخرين. أخبرنا الله أنّه أرسل هوداً إلى عادٍ فكفرو به وبما جاء به من عند الله. فأرسل عليهم ريحاً أهلكتهم، ونَجّى هوداً والمؤمنين، وجعلهم خلفاء الأرض.
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة: 7].
وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود : 58].
وأخبرنا الله أيضاً أنه أرسل صالحاً إلى ثمود، فكفروا به وبما جاء به من الحق. وأنّه أهلكهم بصيحة، ونَجَّى المؤمنين مع نبيهم صالح، وجعلهم خلفاء الأرض.
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود:66-67].
وأخبرنا أيضاً قصة شعيب ولوط وموسى وغيرهم -عليهم السلام- الّذين كُذِّبُوْا فاهلك الله أعداءهم الكفرة بعذاب استأصلهم .
ثم أرسل الله تعالى رسوله الأخير محمدا صلى الله عليه وسلم فكُذِّب كما كُذِّب الّذين من قبله من الرسل. فنصره الله على أعدائه، فهزمهم في المعارك، حتى دخلوا في الإسلام طائعين وكارهين. ثم أسلمت العرب والعجم، وانتشر الإسلام إنتشاراً واسعاً. وساد المسلمون الأرض، وأصبحت جنود إبليس ذليلة مغلوبة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن سنة الله هذه في تعاقب الإسلام والجاهلية ستكون جارية في طريقها، وأنه سيخرج من هذه الأمة متنبئون ومرتدون. وستدرس معالم الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صلاة ولا صيام ولا نسك، ولكن لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحقّ حتى تقوم الساعة.
وفي الحديث: «إن الله زوى لي الأرض فأُريتُ مشارق الأرض ومغاربِها، وأنّ ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وأعطيتُ الكنْزين الأحمر والأبيض، وإنِّي سألتُ ربِّي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد إنِّى إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يردّ، وإنِّي أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنةٍ عامةٍ ولا أسلّط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبى بعضا، وإنّما أخاف على أمتي الأئمة المضلِّين. وإذا وُضِعَ السيفُ في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة. ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان. وأنه سيكون في أُمتي كذَّابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نَبِيٌّ وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى» [ابو داود، ومسلم].
وفي الحديث: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة». "وذو الخلصة طاغية دوس ألتي كانوا يعبدون في الجاهلية" [متفق عليه].

(د) الخديعة الكبرى

(د) الخديعة الكبرى :
إن الشيطان عالم فاسد، وعدوٌّ ماكرٌ خبيثٌ، فلم يكن يقول للأمم الكثيرة ألتي أضلّها: "تعالوا أكفروا بالله. واكفروا بنبيكم. وتبرءوا من الإسلام"، لم يكن يقول لهم ذلك. لأنّه يعلم أنّه طريق صَعْبٌ مكشوفٌ. لا يقبله الناس.
ويعلم كذلك أن البشرية يصعَبُ عليها أن تتبرأ من طريقة أسلافها وأجدادها، لا سيّما إذا كان أولئك الأجداد أنبياء تلقَّوا الوحي من الله. وتركوا العلم والحكمة بين الناس يتوارثها الأبناءُ عن الأباءِ .
وإنَّما كان يبتدع لهم البدعة ويقول لهم: هذه حسنة، ولا يحرمها الإسلام، ولها منفعة عظيمة.وما إلى ذلك من القول.ثم إن البدعة كانت تؤول بِهم إلى الشرك.
كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. وهو يتحدّث عن ضلال قوم نوح عليه السلام وكيف عبدوا وَدًّا وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً: قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسمّوها بأسمائهم ففعلوا ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عبدت" [البخاري].
فمن المعروف أنّ هؤلاء الذين عبدوا الأنصاب والتماثيل لم يكونوا يقولون: "نحن كفرنا بالله. وكفرنا بنبينا. وتبرأّنا من الإسلام"، وإنّما كانوا كما قال الله تعالى عنهم وعن أمثالهم: ﴿اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 30].
فقد أصبحوا أولياء الشياطين، وهم يزعمون أنّهم حزب الله وأولياؤه المتقون. وأصبحوا كافرين وهم يظنّون أنّهم مؤمنون، وأصبحوا خارجين عن التوحيد الذي كان أهمّ تعاليم الأنبياء وهم ينتسبون إلى الأنبياء .
وقد أخبرنا الله تعالى أن شعيبا عليه السلام قال لقومه: ﴿وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هود : 89].
فيبدوا من السّياق أنّهم كانوا معترفين بنبوة نوح وهود وصالح ولوط، ومعترفين كذلك أنّ أقوامهم كانوا كفاراً. ولكنّهم كانوا مع ذلك واقعين تحت تأثير خديعة الشيطان الكبرى، كانوا يظنّون أنّهم "مؤمنون" وهم ينكرون التوحيد، ويظنّون أنّهم موافقون لطريقة رسل الله، وهم يكفرون بشعيب عليه السلام، ويشركون بالله ما لم ينْزل به سلطاناً.
وقد قيل إنّهم كانوا من ذرّية إبراهيم عليه السلام، فكان إنتسابَهم لأنبياء الله إذاً قوياً، مع كونِهم من أظلم الظالمين.
وأخبرنا الله كذلك في القرآن. أنّ قوم فرعون وهم من أعتى الأمم. كانوا يعترفون بنبوة يوسف عليه السلام.
فجاء في القرآن أنّ الرجل المؤمن قال لقوم فرعون: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً﴾ [غافر : 34].
كانوا يعترفون بأن يوسف عليه السلام كان نبياً رسولاً أرسله الله، وكانوا مع ذلك ينكرون رسالته التي جاء بتجديدها موسى عليه السلام لانّهم كانوا يحسبون أنّهم مهتدون، فلما تجلّت لهم الحقيقة ورأوا الآيات وعلموا أنَّ موسى على الحقّ عاندوا وكفروا علوا واستكباراً فأخذهم الله بعذاب الاستئصال.
وكذلك اليهود أنكروا الإسلام والتوحيد الّذي جاء به المسيح عليه السلام، وهم يحسبون أنّهم مهتدون وأنّهم على ملّة إبراهيم واسحاق ويعقوب وموسى عليهم السلام، ولم يدروا أنّ عيسى عليه السلام هو على ملّة أولئك الرسل وأنّهم هم الخارجون عن الصراط المستقيم، لأنّهم كانوا واقعين تحت تأثير "الخديعة الكبرى".
وكذلك النّصارى أنكروا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستجيبوا له، وتَمسَّكوا بادّعائهم لعيسى، وتمسكوا بأناجيلهم. ولم يدروا أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم على ملّة إبراهيم وعيسى عليهما السلام،وأنّهم هم الخارجون عن الصراط المستقيم بتأثير "الخديعة الكبرى".
وها نحن اليوم نرى أنّ هذه السنّة جارية في طريقها، نرى أقواماً ينتسبون للإسلام ويدّعون الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم وقعوا تحت تأثير "الخديعة الكبرى"، خرجوا عن الإسلام وأنكروا الحكم بكتاب الله، واستهزءوا بالمؤمنين وحاربوهم حرباً عنيفة، وأعلنوا جهرة إيمانهم بالديمقراطية والاشتراكية والقوانين والأديان البشرية، يُعلنون ذلك وهم يزعمون أنّهم يقولون (لا إله إلا الله محمد رسول الله) كما قال أهل الكتاب: "لا إله إلاّ الله موسى رسول الله" أو "عيسى رسول الله" وهم ينكرون رسالة الإسلام الحنيف، ألتي جاء بِها محمد صلى الله عليه وسلم وهو موافقٌ فيها لموسى وعيسى عليهم السلام.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه»، قالوا يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» [متفق عليه].
لقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث أُمم كافرة مشركة، منكرةٌ للحنيفية ملّة الأنبياء، وكلّ واحدةٍ من هذه الأمم كانت تزعم أنّها على ملّة إبراهيم عليه السلام الذي أرسله الله بالحنيفية،كما أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بِها. وهم اليهود والنصارى والمشركون العرب. فأنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [أل عمران: 67].
وموقف النبي صلى الله عليه وسلم المعروف من هذه الأمم. وهذا البيان القرآني والفصل الربّاني يدلّ على أنّ المؤمن الذي يعرف الفرق الّذي بين الحنيفية وبين الشرك بالله. ليس له أن ينخدع بِما يدّعية أهل الشرك والضلال من الإستقامة على الإسلام، وهم ينكرون التوحيد والدعوة إلى الحنيفية. إن المؤمن إذا أبتلي بأقوام ينتسبون إلى ملّة الأنبياء وهم يكفرون بأهمّ ما تضمنته رسالات الأنبياء، عليه أن يقتدي بِهدي الأنبياء ومواقفهم من أمثال أولئك المنخدعين بخديعة إبليس اللّعين. أما من كان لا يعرف الفرق الذي بين الحنيفية وبين الشرك بالله، فلا عجب فيه إذا جَمع بين الضدّين وإنخدع بالدعاوي والأكاذيب، فإن الله تعالى إنّما فصّل آياته لقوم يعلمون.
قال تعالى: ﴿وَنُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة : 11].

(ه) بروز الشياطين

(هـ) بروز الشياطين :
ومن السنن الثابتة. أن يقف القادة والرّؤساء الذين يملكون السّلطة، وإصدار الأوامر والنواهي للأمم الضالة في وجه دعاة الحقّ، وأن يهددوهم بالقتل، أو النفي، أو السّجن، إذا لم يتنازلوا عن دعوتِهم، ويندمجوا في أقوامهم، كما كانوا من قبل هذه الدعوة.
قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الانعام:112-113].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان : 30-31].
وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الانعام: 132].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: 34-35].
وقال تعالى: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء : 116].
وقال تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: 97].
وقال تعالى: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ [الشعراء: 167].
وقال تعالى: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء : 29].
وأولئك الأكابر من المجرمين يعرفون كيف يصرفون "العامة" عن الاستماع إلى الحقّ وكيف يفسدون القلوب، يقولون لَهم "إنَّ هذه الدّعوة يُراد من ورائها الإستيلاء على السلطة. وقلب نظام الحكم" كما تُوَضِّحُهُ الآيات الآتية: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26].
وقال تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 78].
وقال تعالى: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ﴾ [الاعراف : 127].
وقال تعالى: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص: 6].
إن الأنسان الجاهل الخالي من الإيمان ضعيف النّظر، وعلمه لا يتجاوز حدود هذه الدنيا، ولا يعرف قيمة أعلى من المكاسب الدنيوية تستحقّ أن تُبْذَلَ الجهود والأوقات في سبيلها، ولا يعرف مقاماً أرفع وأكرم من الإستيلاء على الملك، والسيطرة على أرواح الناس وأبدانِهم وأموالهم. ويرى أنّ من بلغ هذا المنصب بلغ النعيم والسرور، لقد حجبه الشيطان عن رؤية حقيقة الدنيا وقصر عمرها، وزوالها من قريب. وحجبه كذلك عن رؤية الجنّة ونعيمها الخالد، وكرامة أهلها الذين لا يَموتون، ولا يهرمون، ولا يسقمون، ولا يبتئسون.
قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 7].
لعلمهم القليل ونظرتِهم الضيّقة كان أهل الجاهلية يصدّقون ما يُقال عن رسل الله موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم من أنّهم إنّما يريدون الملك لينالوا الراحة والمتاع. وكلّ من عزم السير في طريق أولئك الرّسل لا بدّ له من أن يُقال له شيء مما قد قيل للرّسل الكرام، لأن سنّة الله لا تتخّلف .

(و) ثبات المؤمنين

(و) ثبات المؤمنين :
ومن سنة الله أن يثبت أهل الإيمان، وأن يثقوا بوعد الله، وأن لا يَخشوا التهديد بالقتل، أو النفي، أو الحبس. وأن يستمرّوا في دعوة الضالّين إلى الهدى غير مبالين بوعيد أكابر المجرمين. وقد قصّ الله علينا في كتابه من مواقف المؤمنين ما هو أُسوةٌ للمؤمنين على مدار التاريخ. ومن ذلك .
قال الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس : 71].
قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود:53-56].
وقال تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى، قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى، قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه:70-73].
وقال تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ، وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الاعراف :125-126].
عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردة في ظلّ الكعبة. فقلنا: ألا تستنصر لنا. ألا تدعوا لنا. فقال: قد كان من قبلكم يُؤخد الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه. والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» [البخارى].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى عماراً وأمّه وأباه يعذبون العذاب الشديد في مكة. فما يزيد علي أن يقول: صبرا آل ياسر إنَّ موعدكم الجنّة.

(ز) إهلاك المكذّبين

(ز) إهلاك المكذبين :
وعندما يبلغ طغيان المجرمين وكراهيتهم للحق منتهاه، ويبلغ ثبات المؤمنين وإصرارهم على الحقّ منتهاه، عندئذ تأتي سنة الله في إهلاك المجرمين وإنجاء المؤمنين.
قال تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم : 11-14].
وقال تعالى: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ، قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ، وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف : 88-91].
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47].

(ح) الابتلاء

(ح) الإبتلاء :
من سنة الله، أن يبتلي المؤمنين، وأن يمحّص صفوفهم، وأن يظهر المنافقين والكاذبين في زعمهم للايمان، رَحْمةً لعباده المؤمنين، كي لاينخدعوا بِهم. فالإبتلاء وإن كان صَعْباً على النفوس يُعتبر رحمة ونعمةً من نعم الله على عباده المؤمنين، ولولاه لامتلأت صفوفهم بالمنافقين وطلاّب الدنيا. وربُّما بلغوا مراكز القيادة والتوجيه، دون أن يشك فيهم أحد لأنّهم يتكلمون بكلام المؤمنين ويعملون ما يشبه أعمالهم. فجعل الله الإبتلاء ميزاناً ومقياساً لا يخطئ. يضع كل فرد موضعه الحقيقيّ، فيعلم المؤمنون من يثقون بِهم ومن لا يثقون بِهم، من يتعاونون معهم ومن يحترزون منهم.
قال تعالى: ﴿الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:1-3].
وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت:10-11].
وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: 11].
وقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: 31].
وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 16].
وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [أل عمران: 179].
فظهر من الآيات أنّ الغرض الذي لأجله أبتلى الله المؤمنين هو تمحيص صفهم، وإخراج الضعفاء والمنافقين من بينهم. والله تعالى بيَّن أنه يبتلي أولياءه المؤمنين بأنواع من الشدائد، كالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس. وملاقاة أذى الألسنه والأيدى من المشركين.
قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة : 156- 157].
وقال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [آل عمران : 186].
وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة : 214].
وبينّ الله كذلك أن بسط النعمة والسلامة والأمن من الابتلاء
قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الانبياء:35 ].
إن من طبيعة الإنسان الذي لم تخالط بشاشة الإيمان قلبه. أن يظهر منه الفرح والفخر والبخل إذا أسبغ الله عليه من نعمه. وأن يظهر منه الهلع والجزع واليأس عند المكارة والشدائد. وهذه من صفات الكفار، وقد نفاها الله عن المؤمنين المصلّين.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلا الْمُصَلِّينَ﴾ [المعارج : 19-22].
ولكن إذا نزل الإبتلاء بالشرّ يظهر من المصلِّين من يجزع وييأس من روح الله ورُبَّما خرج عن الإسلام جملة. وكذلك إذا نزل الإبتلاء بالخير. يظهر منهم من يمنع ويبخل ويفرح بخضرة الدنيا الفانية، ورُبما تنكّر لاخوانه في الله. ومن إدّعى الإيمان واتّصف بصفات الكفار فهو لا يكون إلا منافقاً خالصاً أو من ضعفاء الإيمان. والغرض من الإبتلاء يكون عندئذٍ قد تحقّق بمعرفة المؤمنين لأولئك المنافقين والضعفاء المنخرطين في صفوفهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم عن المؤمن: «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له» [مسلم].
والجماعة التي يريد الله لها الخير والكرامة، يبتليها إبتلاءً شديداً يُزلزلها، وينفي عنها الخبث، أهل النفاق ومرضى القلوب.
وقد جاء في الأحاديث: «أشدّ النّاس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل. فالأمثل، يبتلي الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةً زِيْدَ في بلائه، وإن كان في دينه رقّة حفّف عنه. وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة» [الترمذي، ابن ماجه، أحْمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحبّ قوماً إبتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» [الترمذى].
وعندما يشتدّ البلاء وتطول مدّته ويبطئ النصر. يتحقّق ما أراده الله من إبتلائه لعباده. ويظهر كل فردٍ على حقيقته، ودرجته من الإيمان. وينقسم الأفراد الّذين كانوا يمثّلون جماعةً واحدة قبل الابتلاء والتمحيص إلى الأقسام الآتية :
(الأول) المؤمنون الخلص
وهم الذين أخلصوا النيّة وصدقوا في العمل. ولم يتردّدوا في بذل النفس والمال في سبيل الله. وهم الذين ازدادوا بالإبتلاءات إيْماناً. وخرجوا من كل إبتلاء ناجحين، لم يزدهم إلا إيماناً وتسليماً. وأولئك هم القاعدة الصلبة للجماعة، والعنصر الذي يقوم عليه كيانَها. ومثال ذلك المهاجرون والانصار، أصحاب بيعة العقبة، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، إنّهم لم ينهزموا أمام الأحزاب:
فقال تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ [الاحزاب: 22-23].
وهم الذين قال الله عنهم لما بايعوا تحت الشجرة: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح : 18].
وقال عنهم يوم حنين وجهادهم فيه: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة : 25-26].
وقال تعالى عنهم في غزوة العسرة (تبوك): ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 117].
وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة:100].
( الثاني ) ضعفاء من غير نفاق خالص
الإيمانُ ينمو ويقوِّي في النفوس تدريجياً، حتى يكون قوياً مكتملاً راسخاً. لا تعوّقه الشبهات والشهوات المضلّة. فإن اجتهد المسلم في التدبّر والتفكير في آيات الله. وداوم على قراءة القرآن، وكثرة العبادات والذكر، ولازم أهل الصلاح والعلم، فإنّ إيمانه يكون في ازدياد ونموّ مستمرّ، وإن غفل ولها واشتغل عن القرآن والذكر، وصاحب أهل الغفلة والنفاق، فإن إيمانه ينقص تدريجياً، ورُبَّما تحوّل إلى منافق خالص، أو إلى مرتدٍ كافرٍ.
وجاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «والقلوب أربعةٌ، قلبٌ أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط بغلافه، وقلبٌ منكوس، وقلبٌ مصفح. فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن، فسراجه فيه نور. وأما القلب الأغلف فقلب الكافر. وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص، عرف الحقّ ثم أنكر. وأما القلب المصفح فقلبٌ فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدّها الماء الطيّب، ومثل النفاق كمثل القرحة يمدّها القيح والدمّ، فأيّ المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» [أحـمد].
فمن الطبيعي إذاً أن يكون في الجماعة ضعفاء متفاوتون في الضعف. ولكنّ هذا الضعف كما يبدوا من الحديث مرحلةٌ يَمرّ القلب البشري بِها. ولا بدّ أن يتجاوزها إلى أعلى، ويكون مؤمناً خالصاً كأهل القسم الأول، أو يتجاوزها إلى أسفل فيكون منافقاً خالصاً.
وتجد في القرآن والسنة والسيرة صوراً من الضعف البشري الذي مرّ به أفراد كانوا جادّين في إيمانِهم، وكان الله تعالى يدعوهم إلى الأفضل والأكمل كي ينالوا رضى الله والجنة. وفي الغالب لا يخلوا الإِنسان من هذا الضعف في بداية إِسلامه، وكذلك إذا وُلد ونشأ في الإسلام، والطريق هو الإهتمام بتربيتهم ومتابعة أحوالهم والتعقيب على ما يحدث منهم مما لا يقبله الإسلام.
ومما سجله القرآن من حالات الضعف مأ ياتي: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال : 5-6].
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [أل عمران : 155].
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة :267-268].
وقال تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور : 15].
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الجمعة: 11].
وقال تعالى: ﴿وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 102].
وهذه الحالات من الضعف البشريّ كانت تظهر من واقع الجماعة المسلمة الأولى، وكانت أحوال الناس دائماً في تَحسُّن مستمرّ بفضل الجهود التي كانت تُبذل في التربية، ولكن كان هناك مسلمون جُدد ينضمون إلى الجماعة. ويحتاجون إلى مزيد من التربية بإستمرار، فلم تكن الجماعة الإسلامية في مستوى واحد دائماً بسبب ذلك. وكان إبتلاء الله المستمرّ المتنوع يعمل عمله في داخل الجماعة، فيرفع أقواماً ويضع آخرين.
(الثالث ) المنافقون
وكانوا أقواماً تكلّموا بالإسلام، ودخلوا في عداد المسلمين وهم ليسوا في الحقيقة منهم، وإِنما كانوا يرعون مصالحهم الدنيوية ومراكزهم الاجتماعية. وكانوا ينتظرون أن تدور الدائرة يوماً على المسلمين، كي يتحرّروا من تكاليف الإسلام. وقد أنزل الله سوراً وآيات كثيرة بشأنِهم، فعرّف المؤمنين سماتَهم وما يتميّزون به عن المؤمنين الصادقين من صفات وأعمال.
والمنافقون كانوا على نوعين :
(النوع الأول): وهم قوم آمنوا بالله ورسوله حقيقة، وقد دخل الإيمان في قلوبهم، ولكن لما اِبتلاهم الله بالخوف والحروب والجوع ونقص الانفس والثمرات، ارتدّت قلوبهم ونافقوا وكانوا كما قال تعالى عنهم: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة: 17- 18].
وقال تعالى: ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم﴾ [التوبة: 66].
كانوا مرتدين قد ارتدّت قلوبِهم وكفروا بعد إيمانِهم. ولكنّهم لم يغيِّروا شيئاً من ظاهرهم، فظلّوا معدودين من المسلمين، وإن كان يظهر للمؤمنين عند الشدائد والمِحن منهم شيء كثير يدلّ على نفاقهم .
(النوع الثاني): وهم قوم أضطرّوا إلى إظهار الإسلام وهم غير مقتنعين به. رعاية للمصالح والمراكز التي كانت لهم في العشيرة والقبيلة، كما كان حال عبدالله بن أبيّ الذي أعلن إسلامه بعد وقعة بدر وقال: (هذا أمرٌ قد توجّه). وكان يضمر الكيد والشرّ للنبى صلى الله عليه وسلم، ولكنّ الله تعالى ردّ كيده في نحره وأصبح هو وأمثاله أذلاّء في الإسلام.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد المنافقين بالحجج والبيان:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة:73].
وقال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا﴾ [النساء : 63].
وقال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾ [النساء:81].
وكان منهم من يوفّقه الله للتوبة ويتبرّأ من النفاق ويخلص عمله لله.
قال تعالى: ﴿إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 146].
(الرابع): المرتدون
إن الإيمان منحة إلهيةٌ، والله هو الّذي يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، وهو القادر على أن يسلب الإيمان من القلوب .
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213].
وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 86-87].
وقال تعالى: ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27].
وقال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف:175-176].
إن المؤمن العارف بالله يخشى أن يرتدّ قلبه بسبب ذنوبه كما قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور : 63].
قال ابن كثير: ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ أي في قلوبِهم من كفر أو نفاق أو بدعة.
وقال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الانفال: 24].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم المؤمنين بالله وأتقاهم له يقول في دعائه: «اللّهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك»
ولما سُئِلَ. قال: «إنَّ القلوب بين أصبعين من أصابع الله، إن شاء قلبه وإن شاء ثبّته» [الترمذي ومسلم].
وقال نبي الله إبراهيم عليه السلام في دعائه: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم : 35].
قال إبراهيم التيمي: "من يأمن البلاء بعد إبراهيم " [ابن جرير].
وقد قيل إن المنسلخ عن آيات الله المذكور في آية الأعراف كان رجلاً من أصحاب موسى، عالماً ثم كفر بعد إيمانه.
وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك من إرتدّ عن الإسلام ممن أسلم كما دلّت عليه الأخبار الآتية:
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم ، فعاد نصرانياً. فكان يقول: "ما يدري محمّدٌ إلاّ ما كتبت له". فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظتْهُ الأرضُ، فقالوا: هذا فِعْلُ محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا. فأصبح وقد لفظتْهُ الأرضُ. فقالوا: هذا فِعْل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه خارج القبر. فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظتْهُ الأرضُ فعلموا أنّه ليس من الناس فألقوه" [متفق عليه].
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "كان رجلٌ من الأنصار أسلم ثم إرتدّ ولحق بالمشركين، ثم نَدِمَ فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟ فنَزلت ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾ إلى قوله ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فأرسل إليه قومه فأسلم" [النسائى وابن جرير].
قال تعالى: ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾
قال الإمام الطبريّ: ونزلت هذه الآية في الخائنين الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾، لما أبى التوبة من أبى منهم، وهو (طُعْمَةَ بن الأُبَيْرق) ولَحِقَ بالمشركين من عبدة الأوثان بمكّة، مرتدّا مفارقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه. [جامع البيان: م 4 /278].
وجاء في سيرة (ابن هشام): "وأما عبيد الله بن جحش، فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم، ثم هاجر مع المسلمين الى الحبشة ومعه امراته (أمّ حبيبة بنت أبي سفيان) مسلمة، فلما قدمها تنصَّر وفارق الإسلام ومات نصرانياً". كان عبيد الله بن جحش -حين تنصَّر- يَمُرُّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم هناك من أرض الحبشة فيقول: "فقحنا وصأصأتُم"، أي: أبصرنا، وأنتم تلتمسون البصر، ولم تبصروا بعد. وخلف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته (أُم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب).
وعن أنس رضي الله عنه: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكّة عام الفتح وعلى رأسه المغفر. فلمّا نزعه جاءه رجلٌ فقال: "اِبن خطل" متعلِّق بأستار الكعبة، فقال: «أقتلوه». [متفق عليه].
قال الحافظ اِبن حجر في "فتح الباري": هو عبدالله بن خطل، وإِنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل إبن خطل، لأنه كان مسلماً، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدّقاً، وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى يخدمه، وكان مسلماً، فنَزل منْزلاً، فأمر المولى أن يذبح تيساً ويصنع طعاماً، فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله، ثمّ إرتدّ مشركاً، وكانت له قينتان تغنيان بِهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت الردّة المشهورة، حيث إرتد عن الإسلام غالب من أسلم من قبائل العرب، وكانت ردّتُهم متنوعة، فمنهم من إرتدّ إلى عبادة الأوثان والأصنام، ومنهم من إعتقد نبوة الكذَّابين المتنبئين، كمسيلمة، وطليحة، والأسود العنسي، -وقد قُتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم - وسجاح.
ومنهم من امتنع عن أدَّاء الزكاة، وأقرّ بالتوحيد والصلاة. وقد قضى الصحابة رضوان الله عليهم على هذه الفتنة المستطيرة في مدى سنة واحدة في الحروب المعروفة بحروب المرتدين.

(ط) الاستبدال

(ط) الاستبدال :
ومن سنة الله أن يقع الاستبدال، ومعنى ذلك أنّ من اِرتدّ أو نافق لا يضّر الإسلام، وأنّ الله يستبدل به من هو أفضل منه إِيماناً وأسرع إلى الخيرات، وكذلك "الجماعة" إذا ارتدّت أو نافقت أو ضَعُفتْ عن الإستقامة، فإن الله تعالى سيأتي بقومٍ لا يرتدُّون ولا ينافقون ولا يضعفون عن الإستقامة.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة : 54].
وقال تعالى: ﴿إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التوبة: 39].
وقال تعالى: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد : 38].
وقال تعالى: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ [التحريم:5].

(ي) التفسير الإسـلامي للتاريخ

(ي) التفسير الإسلامي للتاريخ :
ومن السّنن الثابتة التي تعمل في حياة الجماعات، والتي هي وراء قيام الدول وقوتِها وضعفها وإنْهيارها ما بيَّنها الله تعالى في كتابه. فأخبر :
(أ) إِنّ الأمة إِذا أعطاها الله قوّة وعدّدا ومكّنها في الأرض. فإِنه يريد أن تعمل بعهد الله وميثاقه. وهي تعلم أنّها مستخلفة في الأرض، وليست هي مالكة الملك. فلا يحلّ لها إذاً أن تشرع الشرائع ألتي لم يأذن الله بِها من عند نفسها.
(ب) إِنّها إن فعلتْ ذلك، وخضعتْ لأمر الله، واستقامتْ على موافقة أمره. فإنَّ الله لا يقطع منها نِعَمَهُ بل يزيدها ويضاعفها لها ما دامت على ذلك.
(ج) وإِن لم تفعل ذلك وحكمتْ بِهواها، وطغت وأفسدت في الأرض. فإِن الله سينتقم منها في الدنيا قبل الآخرة، ويسلّط عليها من يشاء من عباده، فيكونون سبباً لإنْهيارها، أو ينْزل عليها عذاباً من عنده يستأصلها.
وإِليك الآيات الدالّة على ذلك:
قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 14].
وقال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ﴾ [سبأ:15-17].
وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [النحل: 112-113].
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الاعراف:96].
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: 65-66].
وقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
وقال تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ﴾ [الأنعام: 6].
قال تعالى: ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس: 14-15].
قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12].
وإذا بلغت الدعوة الإسلامية أمة ولم تستجب لها، فإن الله يأخذها بِاَلْمِحَنِ والشدائد كي تتوب إلى الله. فإن تابت كان خيراً لها، وإن ثبتت على كفرها مع الشدائد والمحن. فإن الله سيفتح لها أبواب الخيرات، حتى إذا إسترسلت وفرِحَتْ بالنعماء أخذها بغتة فإذا هم مبلسون .
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 43-44].
ومعرفة سنة الله هذا تمنع من الإغترار بما يظهر من الدول الكافرة من الترف وأنواع الخيرات. وهم مصرّون على ضلالهم وكفرهم. كما جاء في الحديث: «إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاءون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم» ثم تلا ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾». [أحـمد].

(7) زاد الطريق

(7) زاد الطريق
إن هذا الطريق الذي شرعه الله للمؤمنين أن يسلكوه طريق يحتاج إلى بذل النفس والمال طريق محفوف بالأخطار والأعداء، ولا مفرّ لسالكه من ملاقاة المحن والشدائد. إنَّ هذا الطريق أوجب الله سلوكه لابتلاء المؤمنين، واختبار إيمانِهم بألوهية الله وعبودية البشر، واختبار إيمانِهم بالبعث والجزاء. وكأنَّ الله يقول لهم: "إذا اعتقدتم أنِّي إلهكم وأنتم عبادي، وأنِّي وهبتُ لكم الأنفس والأموال. واعتقدتم كذلك أنِّي قادرٌ على البعث والجزاء. إذا اعتقدتم كلّ ذلك فابذلوا الأنفس والأموال في سبيلي، ولا تبخلوا بشيء من ذلك، واسلكوا هذا الطريق الذي فيه ذهاب النفس والمال. ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: 111].
والله تعالى يعلم مراتب الناس في الاستجابة لندائه، يعلم المعرضين عن أمره الذين ألهتهم الحياة الدنيا، ولم يبق لهم وقت يتعرّفون به الطريق الذين
﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر: 19].
ويعلم المتردِّدين المنافقين، الذين يشكُّون في أن سعادتهم في سلوك هذا الطريق على مشقّته في الظاهر ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: 45].
ويعلم الله المؤمنين الصادقين الذين لا يبخلون بأنفسهم وأموالهم ويبذلونَها في سبيله رجاء الجنة والمغفرة بإذنه، والذين لا يشكُّون في أنّ سعادتهم في الدنيا والآخرة في اتّباع أمر الله. الذين يقولون: ﴿رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 53].
ويقولون: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 147].
إن الله تعالى يعين أولئك المؤمنين الصادقين الذين يستعينون به في وظيفة العبادة، فيُعطيهم الزاد الذي يكفيهم في رحلتهم، ويرشدهم إلى المصدر الذي يجدون عنده دائما العون والمدد. ومن العبادات التي جعلها الله زاداً للمؤمنين وأمرهم بالحرص عليها والاستزادة منها ما يأتي :

التقوى

التقوى :
قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: 29].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 2-3].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4].
وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90] .
وقال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 123].

الصبر

الصبر :
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153].
وقال تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249].
وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: 120].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ﴾ [آل عمران:200].
وقال صلى الله عليه وسلم: «والصبر ضياء» [مسلم].
وقال أيضاً: «وما أعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر» [متفق عليه].

الدعاء

الدعاء :
قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
وقال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9].
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 147-148].
وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾ [البقرة: 250-251].
وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا، قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: 25-26].
وقال تعالى: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: 24-25].
وقال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة: 200-202].
ومن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به منِّي، اللهم اغفر لي هزلي وجدّي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي» [متفق عليه].
وأنه قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت ربِّي لا إله إلاّ أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرّ ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي، فغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت» [البخاري].
وكان يقول عند الكرب والخوف: «لا إله إلاّ الله العظيم الحليم، لا إله إلاّ الله رب العرش العظيم، لا إله إلاّ الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» [متفق عليه].
وأنه قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه لا إله إلاّ أنت» [أبو داود/أحـمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم» [أبو داود].
وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت عضدي وأنت نصيري بك أجول وبك أصول وبك أُقاتل» [أبو داود/الترمذي]. «حسبنا الله ونعم الوكيل» [البخاري].

الصلاة

الصلاة :
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153].
وقال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 45].
وفي الحديث: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر ٌفزع إلى الصلاة» [أحـمد].
وفي الحديث: «وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة» [أحـمد].
ومن رحمة الله لعباده أن جعل الصلاة ركناً من أركان الإسلام، ولا يصحّ إسلام المرء إلاّ بِها .
قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11].
وفي الحديث: «إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» [مسلم].
وهي أعظم الفرائض بعد التوحيد.
قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البيّنة: 5].
وقال تعالى: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [الأنعام:71-72].
وقال تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طة: 14].
وتنقسم الصلاة إلى فرائض ونوافل، ويجب أن تصلّى الفرائض في الجماعة ويؤخذ الوجوب من الأدلّة الآتية:
قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:43-44].
فقول الله تعالى: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ أفاد الوجوب، أي وجوب الصلاة في الجماعة عند المقدرة.
وكذلك أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلِّي بالمسلمين جَماعة مع وجود الخوف من العدوّ، فكيف يجوز ترك الصلاة في الجماعة مع وجود الأمن من الأعداء.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ [النساء: 102].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلموا ما فيهما لأتوهما ولو حبواً» [].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلِّي بالناس، ثم أنطلق في رجالٍ معهم حزم من حطبٍ إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّقَ عليهم بيوتهم بالنار» [متفق عليه].
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يَجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً» [مسلم].
والصلاة لها شروط لا تصحُّ إلاّ باستكمالها، وهي :
(1) الإسلام: لأن عمل المشرك والكافر مردود.
قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة: 17].
(2) العقل: فالمجنون لا تكليف عليه حتى يبرأ .
وفي الحديث: «رفع القلم من ثلاثة النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ» [أبو داود/النسائي].
(3) الطهارة من الحدث: لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 7].
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: 43].
(4) إزالة النجاسة: وتزال من البدن والثوب والمكان .
قال تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4].
وفي الحديث: «تنَزّهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه».
وفي الحديث: "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع"؟ قال: «تحتُّه ثم تقرصه بالماء، وتنضحه وتصلِّي فيه» [متفق عليه].
وفي الحديث: «جاء أعرابيٌّ فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه» [متفق عليه].
ستر العورة : قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31].
وفي الحديث: «غطّ فخذيك فإن الفخذ عورة» [أبو داود].
وفي الحديث: «لا يصلِّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» [متفق عليه].
وفي الحديث: «لا يقبل الله صلاة حائض إلاّ بخمار» [أبو داود/الترمذي].
وفي الحديث: «أن أم سلمة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلِّي المرأة في درع وخمار بغير إزار؟ قال:إذا كان الدرع سابغاً، يغطِّي ظهور قدميها» [أبو داود].
وقالت عائشة: "لا بدّ للمرأة من ثلاثة أثواب تصلِّي فيها: درعٌ وجلبابٌ وخـمارٌ".
(5) دخول الوقت: لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].
وقوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: 78].
وفي الحديث: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحبُّ إلى الله عز وجل. قال: «الصلاة على وقتها». [].
وفي الحديث: أن جبريل عليه السلام أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وفي آخره، فقال: "يا محمّد الصلاة بين هذين الوقتين" [أحمد/النسائي/الترمذي].
(6) استقبال القبلة: لقوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 144].
وفي الحديث: صلَّينا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً نحو بيت المقدس ثم صُرفنا نحو الكعبة [مسلم].
وقال تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: 239].
قال ابن عمر رضي الله عنهما: "مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها" [البخاري].
(7) التمييز : وحدّه سبع سنين .
للحديث: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشرٍ وفرِّقوا بينهم في المضاجع» [أحـمد/أبو داود].
(8) النية : ومحلُّها القلب ولم يسنّ التلفظ بِها .
وفي الحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه].
والصلاة لها كيفية خاصة تُؤْخَذُ من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله التي منها ما يأتي:
(1) «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» [البخاري].
(2) «إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر» [متفق عليه].
(3) «إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس وأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» [متفق عليه].
(4) «إذا صلّى أحدكم فليصلِّ إلى السترة وليدن منها» [أبو داود].
(5) "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير" [متفق عليه].
(6) "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحذو منكبيه ثم يكبِّر" [متفق عليه].
(7) "رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على اليسرى على صدره فوق المفصل" [أحـمد/الترمذي].
(8) «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» [متفق عليه].
(9) وكان يقول في الاستفتاح: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» [متفق عليه].
(10) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
(11) "وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك" [مسلم].
(12) "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ثم يكبِّر حين يركع، ثم يقول: «سمع الله لمن حَمده» حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: «ربّنا ولك الحمد»" [متفق عليه].
(13) "كان يقول في ركوعه «سبحان ربّي العظيم»" [أحـمد/مسلم].
(14) لما نزلت ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم «اجعلوها في ركوعكم» [أحـمد/أبو داود].
(15) قال صلى الله عليه وسلم: «إنما جُعل الإمام ليؤتَمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلَّى جالساً فصلُّوا جلوساً أجمعون» [متفق عليه].
(16) وقال صلى الله عليه وسلم لتارك الطمآنينة: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ». [متفق عليه].
(17) "وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً" [مسلم].
(18) وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى صلاة رجلٍ لا يُقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» [أحـمد].
(19) "وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه،ثم يكبِّر، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد»" [البخاري/مسلم].
(20) وقال صلى الله عليه وسلم: «أُمرتُ أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين» [متفق عليه].
(21) وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: «سبحان ربي الأعلى» [متفق عليه].
(22) لما نزلت ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجعلوها في سجودكم». [أحـمد/أبو داود].
(23) «أما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم» [مسلم].
(24) «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فاكثروا من الدعاء» [مسلم].
(25) «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» [متفق عليه].
(26) "كان إذا صلّى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" [متفق عليه].
(27) «ثم يكبِّر حتى يهوي ساجداً، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه، ثم يكبّر حين يسجد، ثم يكبّر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في صلاته كلّها حتى يقضيها. ويكبّر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس» [متفق عليه].
(28) وكان يقول في الجلسة بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وعافني واهدني وارزقني» [الترمذي/أبو داود/ابن ماجه].
(29) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال «سمع الله لمن حَمده»، لم يحنِ أحدٌ منّا ظَهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجداً، ثم نقع سجوده بعده. [متفق عليه].
(30) «إذا أمن الإمام فأمنّوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
(31) "رمقتُ الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجدتُ قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فَسَجْدَتُهُ فَجَلْسَتُهُ بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء" [متفق عليه].
وفي رواية: "ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء". [].
(32) "وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى" [البخاري/مسلم].
(33) وكان إذا قعد للتشهّد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى واليمنى على اليمين وعقد ثلاثاً وخمسين، وأشار بأصبعه السبابة. [].
وفي رواية: وقبض أصابعه كلها وأشار بالتي تلي الإبِهام. [].
(34) "وضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه الأيمن، ثم قبض بين أصابعه فحلق حلقة" [].
وفي رواية: "حلق بالوسطى والإبِهام، وأشار بالسبابة، ثم رفع إصبعه. فرأيته يحرِّكها يدعوا بِها" [أحـمد].
(35) "وكان يشير بأصبعه إذا دعا لا يحرّكها" [أبو داود].
(36) "وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته" [مسلم].
(37) «لا تقولوا هكذا ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله». [متفق عليه].
(38) «قولوا: اللّهم صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» [متفق عليه].
(39) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا في صلاته: «اللهم إنّي أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» [].
وقال: «فليختر من المسألة ما شاء» [متفق عليه].
(40) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون آخر ما يقول بين التشهّد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدّمتُ وما أخّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ وما أسرفتُ وما أنت أعلم به منّي أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلاّ أنت» [مسلم].
(41) أن أبا بكر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي. قال صلى الله عليه وسلم: «قل اللّهم إنّي ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنّك أنت الغفور الرحيم» [متفق عليه].
(42) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته «اللهم إنّي أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً،وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» [النسائي].
(43) «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» [أحـمد/أبو داود/الترمذي].
(44) وكان إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً وقال «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» [].
(45) وكان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير. اللهم لا مانع لِما أعطيتَ ولا معطيَّ لِما منعتَ ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» [متفق عليه].
(46) «تسبِّحون وتكبِّرُون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرّة» [متفق عليه].
ويقول في تمام المائة "لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" [مسلم].
(47) وكان يقول: «لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، لا إله إلاّ الله، ولا نعبد إلاّ إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلاّ الله مخلصين له الدِّين ولو كره الكافرون». [مسلم].
(48) ويجب أن تكون القراءة في الصلاة بتدبّر وتأنّ. لأنّ المصلِّي يناجي ربه، كما جاء في الحديث: قال الله تعالى: (قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال الله "حمدني عبدي"، فإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال الله: "أثنى عليّ عبدي"، فإذا قال ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال الله: "مجّدني عبدي"، فإذا قال ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال الله: "هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل"، فإذا قال ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ قال الله: "هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل) [مسلم/النسائي].
وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلا اللّيل.
قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].
وقال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ [الإنسان: 26].
وقال تعالى: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9].
وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ [آل عمران: 15-17].
وقال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [آلم السجد:16].
وقال تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: 17].
(1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من اللّيل حتى تتفطّر قدماه، فقلتُ له لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟" قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً» [متفق عليه].
(2) وعن عليّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلاً فقال: «ألا تصليان؟» [متفق عليه].
(3) وعن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من اللّيل». قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من اللّيل إلاّ قليلاً. [متفق عليه].
(4) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل». [متفق عليه].
(5) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ نام ليلة حتى أصبح قال: «ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه» [متفق عليه].
(6) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة عليك ليل طويلٌ فارقد، فإذا استيقظ فذكر الله تعالى انحلَّتْ عقدة، فإن توضّأ انحلّت عقدة، فإن صلّى انحلّتْ عقده كلّها،فأصبح نشيطاً طيّب النفس،وإلاّ أصبح خبيث النفس كسلان» [متفق عليه].
(7) وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم. وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل» [مسلم].
(8) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة اللّيل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة» [متفق عليه].
(9) وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام أول اللّيل ويقوم أخره فيصلِّي [متفق عليه].
(10) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "صلَّيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمر سوءٍ"، قيل وما هممتَ؟ قال: هممتُ أن أجلس وأدَعَهُ. [متفق عليه].
(11) وعن جابر رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» [مسلم].
(12) وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في اللّيل لساعة لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كلّ ليلة» [مسلم].
(13) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللّيل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين" [مسلم].
(14) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتِبَ له كأنَّما قرأه من اللّيل» [متفق عليه].
والأفضل أن يداوم المسلمُ على صلاة النوافل التي كان يداوم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(15) عن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبدٍ يصلِّي لله تعالى في كلّ يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلاّ بنى الله له بيتاً في الجنة» [مسلم].
(16) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء» [متفق عليه].
(17) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة" [البخاري].
(18) وقالت رضي الله عنها: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشدّ تعاهداً منه على ركعتي الفجر" [متفق عليه].
(19) وعن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: «بين كل آذانين صلاة، بين كل آذانين صلاة، بين كل آذانين صلاة». قال في الثالثة «لمن شاء». [متفق عليه].
والأفضل أن تكون النوافل في البيت، لأنَّ ذلك أبعد من الرياء.
(20) وفي الحديث: «فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته، إلاّ المكتوبة» [البخاري].
(21) وكان صلى الله عليه وسلم يأمر باتّخاذ المساجد في البيوت كما جاء في الحديث: "كنا نؤمر باتّخاذ المساجد في الدور وأن تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ" [أبو داود].
(22) وفي الصحيح: أن أبا بكر ابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلِّي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون عليه. [البخاري].

الصوم

الصوم
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
وقال تعالى: ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ﴾ [الأحزاب: 35].
(1) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم». [مسلم].
(2) وقالت عائشة رضي الله عنها: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله". وفي رواية: "كان يصوم شعبان إلاّ قليلاً". [متفق عليه].
(3) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام». -يعني أيام العشر-. قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». [البخاري].
(4) عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، قال: «يكّفر السنة الماضية والباقية» [مسلم].
(5) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه. [متفق عليه].
(6) وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن صيام يوم عاشوراء. فقال: «يكفّر السنة الماضية». [مسلم].
(7) وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسو الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن صوم يوم الاثنين. فقال: «ذلك يوم وُلدتُ فيه ويوم بعثتُ، أو أنزل عليّ فيه». [مسلم].
(8) وعن قتادة بن ملحان رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام أيام البيض ثلاثة عشر، وأربع عشر، وخمس عشر." [أبو داود].
(9) وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظنُّ أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظنُّ أن لا يفطر منه شيئاً. وكان لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلِّياً إلاّ رأيته، ولا نائما إلاّ رأيته" [البخاري].

ذكر الله

ذكر الله
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الأحزاب: 41-42].
وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205].
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45].
ومما ورد في فضل الذكر من الأحاديث ما يأتي:
(1) «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربّه كمثل الحيّ والميت» [البخاري].
(2) «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)» [متفق عليه].
(3) «لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر، أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس» [مسلم].
(4) «من قال" لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة. وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلاّ رجل عمِل أكثر منه». [متفق عليه].
(5) وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلّك على كنْز من كنوز الجنة»؟ فقلتُ: بلى يا رسول الله، قال: «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله». [متفق عليه].

(8) احتمالات الطريق

(8) احتمالات الطريق
إنَّ المسلمين عليهم أن يسلكوا الطريق كما أمر الله عليهم أن يتبرءوا من أهل الشرك والجاهلية، وأن يدعوهم إلى الإسلام، وأن يجتمعوا على آصرة العقيدة، ويتآخوا في الله، وأن يصبروا على الأذى والفتن المتنوّعة الآتية من قِبل أهل الشرك والضلال. وعليهم أن يجاهدوا في الله حقّ جهاده، وأن يبذلوا الأنفس والأموال في سبيل الله،حتى لا تكون فتنة ويكون الدِّين كلّه لله. وعليهم بعد ذلك أن يستسلموا لقدر الله ويعلموا أن الله يفعل ما يريد، وأن النصر بيده، وأنه هو الذي يحدِّد نتيجة الصراع القائم بين أوليائه وأعدائه .. وليس لهم من الأمر شيء، ولكن الأمر كله لله. إنّهم إذا أدّوا ما عليهم، وبذلوا أقصى جهدهم، فقد نالوا مرادهم، وفازوا برضى الله وجنته، فلا تَهمّهم حينئذ نتيجة الصراع، ولمن تكون الدائرة في هذه الجولة.
قال سيـد قطب في كتاب "معالم في الطريق":
هناك إشعاعٌ آخر تطلقه قصة أصحاب الأخدود وسورة البروج، حول طبيعة الدعوة إلى الله، وموقف الداعية أمام كل احتمال.
لقد شهد تاريخ الدعوة إلى الله نماذج منوعة من نِهايات في الأرض مختلفة للدعوات ..
شهد مصارع قوم نوح، وقوم هود، وقوم شعيب، وقوم لوط، ونجاة الفئة المؤمنة القليلة العدد، مجرد النجاة. ولم يذكر القرآن للناجين دوراً بعد ذلك في الأرض والحياة. وهذه النماذج تقرّر أن الله سبحانه وتعالى يريد أحياناً أن يعجِّل للمكذِّبين الطغاة بقسط من العذاب في الدنيا، أما الجزاء الأوفى فهو مرصود لهم هناك.
وشهد تاريخ الدعوة مصرع فرعون وجنوده، ونجاة موسى وقومه، مع التمكين للقوم في الأرض فترة كانوا فيها أصلح ما كانوا في تاريخهم. وإن لم يرتقوا قط إلى الاستقامة الكاملة، وإلى إقامة دين الله في الأرض منهجاً للحياة شاملاً .. وهذا نموذج غير النماذج الأولى.
وشهد تاريخ الدعوة كذلك مصرع المشركين الذين استعصوا على الهدى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وانتصار المؤمنين انتصاراً كاملاً، مع انتصار العقيدة في نفوسهم انتصاراً عجيباً. وتم للمرة الوحيدة في تاريخ البشرية أن أقيم منهج الله مهيمناً على الحياة في صورة لم تعرفها البشرية قط، من قبل ولا من بعد.
وشهد -كما رأينا- نموذج أصحاب الأخدود ..
وشهد نماذج أخرى أقلّ ظهوراً في سجل التاريخ الإيماني في القديم والحديث. وما يزال يشهد نماذج تتراوح بين هذه النهايات التي حفظها على مدار القرون.
ولم يكن بدّ من النموذج الذي يمثله حادث الأخدود، إلى جانب النماذج الأخرى. القريب منها والبعيد ..
لم يكن بدّ من هذا النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون، ولا يؤخذ فيه الكافرون! ذلك ليستقرّ في حسّ المؤمنين -أصحاب دعوة الله- أنّهم قد يُدْعَوْن إلى نِهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله. وأن ليس لهم من الأمر شيء، إنّما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله!
إن عليهم أن يؤدُّوا واجبهم، ثم يذهبوا، وواجبهم أن يختاروا الله، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة، وأن يصدقوا الله في العمل والنية. ثم يفعل الله بِهم وبأعدائهم، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء. وينتهي بِهم إلى نِهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان، أو إلى غيرها مما يعلمه هو ويراه.
إنّهم أجراء عند الله. أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا، عمِلُوا وقبضوا الأجر المعلوم! وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير! [هذا هو الطريق].
هذا مع أنّ وعد الله قاطعٌ في انتصار المؤمنين واستخلافهم في الأرض، ولكن الله هو الذي يحدِّد الوقت المناسب لهذا النصر، ويحدِّد الجيل الذي يتمّ هذا النصر بأيديهم.
قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 171-173].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 105-107].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ،كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 20].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47].

الخوف

(9) مزالق الطريق
الخوف: إن إحساس الإنسان بالخوف عند ملاقاة الخطر شعورٌ فطريٌّ يعتري كل إنسان حتى الأنبياء والصالحين.
قال تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى﴾ [طه: 67-68].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآَمِنِينَ﴾ [القصص: 31].
وقال تعالى:﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ [الكهف: 18].
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26].
والخوف المذموم الذي لا يقبله الشرع نوعان:
(الأول) عبادة غير الله بالخوف، باعتقاد قدرته على إنزال الشرّ على من يريد، فيكون الإنسان الذي اعتقد ذلك خائفاً وجِلاً من غير الله، يسعى لإرضائه واتقاء شرّه وهذا من الشرك الاعتقادي.
قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود:53-56].
وقال تعالى: ﴿وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 80-82].
(الثاني) وهو ترك الواجب أو فعل المحرّم لأجل الخوف من الناس، وفاعل ذلك إذا لم يكن مكرهاً على ذلك يكون آثماً مرتكباً للحرام باختياره.
وشروط الإكراه هي:
1) أن يخالف القتل أو الضرب الشديد.
2) أن يكون فورياً أو جرت العادة بعدم تخلّف عقوبة القتل أو الضرب إذا لم يفعل الحرام.
وأصل ذلك هو قصة عمار بن ياسر رضي الله عنه لما عذَّبه المشركون فتكلّم بالكفر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عادوا فَعُدْ" .
وأنزل الله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: 106].
ويَجوز لمن أكره أن يتكلّم بالكفر، أو أن يفعل الحرام الذي لا يتعدّى ضرره إلى غيره، كأكل الميتة، وشرب الخمر، وما شابه ذلك. ولا يجوز له أن يفعل ما يتعدّى ضرره إلى غيره كقتل النفس، وإتلاف مال الغير، والزنى، وما شابه ذلك. كما جاء في لحديث: "المسلمُ أخو المسلمُ لا يظلمه ولا يسلمه" [متفق عليه].
ومن الناس من يقع في مزلق خطير، وينحرف انحرافاً فاحشاً بسبب الخوف، وذلك أنه يرى القوّة الهائلة الجبارة للكفار، والحركات السريّة والعلنية المسخَّرة لحرب الإسلام، والتي تدعمها الدول الكبرى بالأموال والأقلام ووسائل الإعلام، فيشعر أمامهم بالخوف والضعف والضآلة. فيزيّن له الشيطان أن يُخالف الشريعة من جوانب كثيرة، معتقداً استحالة العمل للإسلام إلاّ بِهذه الطريقة المهزومة. ولدى المؤمن من بيَّان ربّه ما يصدّه عن ذلك الطريق الملتوي. فهو يعلم:
(الأول) إن الله إذا أراد انتصار الإسلام على الجاهلية فإن ذلك واقعٌ لا محالة.
قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5-6].
فإرادة الله هذه كانت من وراء انتصار موسى وبني إسرائيل على فرعون وقومه. فتفيد الآية أن إرادة الله تتحقّق على كل حال، وأن المؤمنين عليهم أن يكونوا مؤمنين حقيقيين معظِّمين لأوامر الله وشرعه آخذين بالأسباب كي ينصرهم الله على أعدائهم ويمكنهم في الأرض.
فإن الله إذا أراد للإسلام النصر والتمكين فإن ذلك سيتمّ ولا يقدر الإنس والجنّ على إيقاف قدر إلهيّ مرسوم. وإذا لم يرد للإسلام ذلك في زمن من الأزمان وجولة من الجولات فإن ذلك لا يأتي ولا يتحقّق بطريق لم يأذن به الله. فالاستقامة إذاً ضروريّة للمؤمنين مهما تكن نتيجتها في قدر الله.
(الثاني) إن الله تعالى قد بيّن في كتابه الحالات التي للمؤمن فيها أن يخالف بعض الشريعة، وأن يقع في المحظور كحالة الإكراه وحالة الاضطرار في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173].
وإذا كانت هناك حالة أخرى يجوز للمسلم فيها الخروج عن الشريعة أو عن بعضها لبيّنها الله تعالى.
(الثالث) إن الخوف من البشر لا تنتهي بالإنسان إلى ذلك المستوى إلا حين تضعف معرفته بربِّه وما وصف به نفسه، فالله تعالى هو القائل عن نفسه :
﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 16].
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: 18].
﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التغابن: 1].
﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: 8].
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58].
فإذا عرف الإنسان ربَّه بصفاته فلن يكون لغيره سلطان على نفسه، فيعبد ربه وإن كره الكارهون. ﴿كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق: 19].

الاستعجال

الاستعجال :
إن الاستعجال مزلقٌ خطيرٌ قد يُسبّب فشلاً وانحطاطاً للحركة، فمن الناس من يحبّ أن يستعمل القوّة أمام كل صعوبة تواجهه، فيدخل معركةً لم يستعدّ لها ويواجه عدوّاً يَجهل قوّته وخطره، فينهزم من قريب. فيجب الاحتراز من هذا الصنف المتهوّر المستعجل، والقبض على يديه وتعليمه الصبر والأناة والسمع والطاعة للنظام الجماعي.
وقد أخبرنا لله تعالى في كتابه إن أشدّ الناس حماسة وطلباً للقتال قد يكونون أسرعهم اِنْهزاماً إذا جدّ الجدّ :
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: 77].
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 246].
قال سيد قطب رحمه الله تعالى في (ظلال القرآن): "إن أشدّ الناس حَماسة واندفاعاً وتهوراً قد يكونون هم أشدّ الناس جزعاً واِنْهياراً وهزيمة عندما يجد الجدّ وتقع الواقعة، بل إنّ هذه قد تكون القاعدة ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالباً ما تكون منبعثة من عدم التقدير لحقيقة التكاليف، لا عن شجاعة واحتمال وإصرار، كما أنّها قد تكون منبعثة عن قلّة الاحتمال، قلّة احتمال الضيق والأذى والهزيمة، فتدفعهم قلّة الاحتمال إلى طلب الحركة والدفع والانتصار. حتى إذا وجهوا بِهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا وأشقّ مما تصوروا، فكانوا أول الصف جزعاً ونكولاً وانْهياراً، على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ويعدّون للأمر عدّته، ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة، ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف. فيصبرون ويتمهلون ويعدّون للأمر عدته. والمتهورون المندفعون المتحمِّسون يحسبونهم إذ ذاك ضعافاً، ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور. وفي المعركة يتبيّن أي الفريقين أكثر احتمالاً، وأيّ الفريقين أبعد نظراً كذلك. وهذا ما يصوره لنا الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: 77].

التنطّع والغرور

التنطع والغرور
إن الله تعالى أوجب على المؤمن أن يأخذ كتاب الله بقوّة، وأن يكون شديداً في أمر الله لا يخاف في الله لومة لائم.
قال تعالى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: 145].
وقال تعالى: ﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: 12].
وقال تعالى في صفة المؤمنين: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة: 45].
ومن الناس من يُخطئ في الشدّة والقوّة المطلوبة، فيجعل أوامر الله كلها واجبة، ولا يَجعل للمندوبات التي لا يأثم تاركها مكاناً، ويَجعل النواهي كلّها محرّمة، ويغفل عن المكروهات التي لا يأثم فاعلها.
إن القوّة المطلوبة هي أن تحافظ الحدود والأوامر والنواهي كما أنزل الله بدون زيادة ولا نقصان، وأن تعرف أن هناك عزائم ورخص، وأن الله يُحبّ أن تؤخذ رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه.
والتنطّع هو: "حَمل النفس على العزيمة في موطن الرخصة".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هلك المتنطّعون، ثلاثاً» [مسلم].
والمتنطِّعون هم المتعمِّقون الذين يجاوزون حدود الاعتدال في أخذ الأوامر والنواهي. والمتنطّع يكون مع انحرافه مغروراً معجباً بنفسه محتقراً للمؤمنين، سريع الوقوع في أعراضهم.
والتنطّع هو الذي جعل أحد الخوارج يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم (اعدل فإنك لم تعدل)، وهو الذي جعلهم يكفّرون المبشّرين بالجنة من الصحابة رضوان الله عليهم، ويستحلُّون دماءهم. فيجب أن تعرف التنطّع والغلوّ في الدِّين من مزالق الطريق، ومن أخطر الأسباب الداعية إلى الاختلاف والتفرّق في الجماعة المسلمة الواحدة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلوّ في الدِّين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدِّين» [أحـمد/الترمذي].

(10) نِهاية الطريق

(10) نِهاية الطريق
إن الله تعالى يكشف للمؤمنين نِهاية الطريق والمصير الذي ينتظر المكذِّبين من الملأ والمستضعفين لتقوّي قلوبهم، وتصمد في وجه الطغيان حين تعلم أن أعداءهم مغلوبون على كل حال، وإن ظنُّوا أنّهم قد انتصروا في الدنيا وقتلوا دعاة الحقّ.
قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ، أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ، الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 48-51].
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ، وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: 31-33].
وقال تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ، قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ، فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ، فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ، فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات: 27-35].
وقال تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ، وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ، فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ، قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ، تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا أَضَلَّنَا إِلاّ الْمُجْرِمُونَ، فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ، فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 90-102].
وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ، أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ، إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: 62-64].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: 22].
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 66-68].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ، وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ، وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ، وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ، فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ، عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ، هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطفّفين: 29-36].


اخبر صديق

Kenana Soft For Web Devoloping